(النوع الثالث) ما يعلمه خواص العلماء دون عامتهم ، ولذلك أمثلة كثيرة من المعانى العالية التى تفيض على قلوب أهل الصفاء والاجتهاد عند تدبرهم لكتاب الله.
قال الراغب (المتشابه على ثلاثة أضرب : ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه ، كوقت الساعة وخروج الدابة ونحو ذلك ، وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة. وضرب متردد بين الأمرين يختص به بعض الراسخين فى العلم ويخفى على من دونهم. وهو المشار إليه بقوله صلىاللهعليهوسلم لابن عباس : (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل)
هل فى ذكر المتشابهات من حكمة
عرفنا أن المتشابهات انواع ثلاثة ، ونزيدك هنا أن لهذه المتشابهات المتنوعة حكمة بل حكما فى ذكر الشارع إياها.
فالنوع الأول ـ وهو ما استأثر الله بعلمه ـ تلوح لنا فيه حكم خمس :
(أولاها) رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف الذى لا يطيق معرفة كل شىء. وإذا كان الجبل حين تجلى له ربه جعله دكا وخر موسى صعقا ، فكيف لو تجلى سبحانه بذاته وحقائق صفاته للإنسان؟ ومن هذا القبيل أخفى الله على الناس معرفة الساعة رحمة بهم كيلا يتكاسلوا ويقعدوا عن الاستعداد لها ، وكيلا يفتك يهم الخوف والهلع لو أدركوا بالتحديد شدة قربها منهم. ولمثل هذا حجب الله عن العباد معرفة آجالهم ، ليعيشوا فى بحبوحة من أعمارهم ، فسبحانه من إله حكيم ، رحمن رحيم.
(ثانيتها) الابتلاء والاختبار : أيؤمن البشر بالغيب ثقة بخبر الصادق أم لا؟ فالذين اهتدوا يقولون آمنا وإن لم يعرفوا على التعيين. والذين فى قلوبهم زيغ يكفرون به ، وهو الحق من ربهم ، ويتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة والخروج من الدين جملة.