وحده ، فهو حقيقة فيه مجاز فى الآخر. وقيل عكس ذلك. وقيل وضع للقدر المشترك بينهما. ولكن هذه الآراء الأخيرة يعوزها الدليل ولا يخلو توجيهها من تكلف وتأويل.
النسخ فى الاصطلاح :
لقد عرف النسخ فى الاصطلاح بتعاريف كثيرة مختلفة. لا نرى من الحكمة استعراضها ، ولا الموازنة بينها ونقدها. وما دام الغرض منها كلها هو تصوير حقيقة النسخ فى لسان الشرع ، فإننا نجتزئ بتعريف واحد نراه أقرب وأنسب ، وهو (رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى).
ومعنى رفع الحكم الشرعى قطع تعلقه بأفعال المكلفين لا رفعه هو ، فإنه أمر واقع ، والواقع لا يرتفع ... والحكم الشرعى هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين إما على سبيل الطلب أو الكف أو التخيير ، وإما على سبيل كون الشيء سببا أو شرطا أو مانعا أو صحيحا أو فاسدا .. والدليل الشرعى هو وحى الله مطلقا متلوا أو غير متلو ، فيشمل الكتاب والسنة. أما القياس والإجماع ففي نسخهما والنسخ بهما كلام تستقبله فى موضع آخر.
وقولنا : (رفع) جنس فى التعريف ، خرج عنه ما ليس برفع ، كالتخصيص فإنه لا يرفع الحكم وإنما يقصره على بعض أفراده. وسيأتى بسط الفروق بين النسخ والتخصيص فانتظره.
وقولنا : (الحكم الشرعى) قيد أول ، خرج به ابتداء إيجاب العبادات فى الشرع ، فإنه يرفع حكم العقل ببراءة الذمة ، وذلك كإيجاب الصلاة فإنه رافع لبراءة ذمة الإنسان منها قبل ورود الشرع بها ، ومع ذلك لا يقال له نسخ وإن رفع هذه البراءة ، لأن هذه البراءة حكم عقلى لا شرعى ؛ بمعنى أنه حكم يدل عليه العقل حتى من قبل مجيء الشرع. ولا يقدح فى كونه حكما عقليا أن الشرع جاء يؤيده بمثل قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).