أقول : ويمكن دفع هذه الشبهة بوجه أقرب ، وهو أن المحكم له مزية على المتشابه ، لأنه بنص القرآن هو أم الكتاب على ما سلف بيانه والاعتراض بأن هذا ينقض الأصل المجمع عليه وهو أن جميع كلامه سبحانه سواء وأنه منزل بالحكمة : الاعتراض بهذا ساقط من أساسه لأن المساواة بين كلام الله إنما هى فى خصائص القرآن العامة ، ككونه منزلا على النبى صلىاللهعليهوسلم بالحق وبالحكمة وكونه متعبدا بتلاوته ومتحدى بأقصر سورة منه ، ومكتوبا فى المصاحف ومنقولا بالتواتر ومحرما حمله ومسه على الجنب ونحو ذلك. والمساواة فى هذه الخصائص لا تنافى ذلك الامتياز الذى امتازت به المحكمات. وكيف يتصور التنافى على حين أن كلا من المحكم والمتشابه له حكمه وله مزاياه؟ فمزية المحكم أنه أم الكتاب إليه ترد المتشابهات ، ومزية المتشابه أنه محك الاختبار والابتلاء ، ومجال التسابق والاجتهاد ، إلى غير ذلك من الفوائد التى عرفتها. ثم كيف يتصور هذا التنافى والقرآن كله مختلف باختلاف موضوعاته وأحواله ، فمنه عقائد وأحكام ، وأوامر ونواه ، وعبادات وقصص وتنبؤات ، ووعد ووعيد ، وناسخ ومنسوخ ، وهلم مما يستنفد ذكره وقتا طويلا. ولا ريب أن كل نوع من هذه الأنواع له مزيته أو خاصته التى غاير بها الآخر ، وإن اشترك الجميع بعد ذلك فى أنها كلها أجزاء للقرآن ، متساوية فى القرآنية وخصائصها العامة وخلاصة هذا الجواب أن امتياز المحكم على المتشابه فى أمور ، ومساواته إياه فى أمور أخرى ، فلا تناقض ولا تعارض ، كما أن كل عضو من أعضاء جسم الإنسان له مزيته وخاصته التى صار بها عضوا والكل بعد ذلك يساوى الآخر فى أنه جزء للإنسان فى خصائصه العامة من حسن وحياة.
الشبهة السادسة ودفعها.
يقولون : إن الناظر فى موقف السلف والخلف من المتشابه ، يجزم بأنهم جميعا مؤولون ؛ لأنهم اشتركوا فى صرف ألفاظ المتشابهات عن ظواهرها. وصرفها عن ظواهرها تأويل لها