(ثالثها) أن النسخ جائز عقلا ممتنع سمعا. وبه تقول العنانية وهى الطائفة الثالثة من طوائف اليهود. ويعزى هذا الرأى إلى أبى مسلم الأصفهانى من المسلمين ، ولكن على اضطراب فى النقل عنه وعلى تأويل يجعل خلافه لجمهرة المسلمين شبيها بالخلاف اللفظى إلا بكنه.
ذلك إجمال لآراء المتدينين فى النسخ ، وسنفصل القول فيها بما نعرضه عليك ، ففرغ له بالك ، ووجه إليه انتباهك. ولنبدأ بتأييد المذهب الحق وعرض أدلته ، ثم لنبين حكمة الله فيه. وبعد ذلك نستعرض المذاهب الأخرى وما استندت إليه على أنها شبهات ندفعها عن عربن الحق ، وأغشية نرفعها عن وجه الصواب
أدلة ثبوت النسخ عقلا وسمعا
لأجل أن نثبت النسخ فى مواجهة منكر به جميعا ، نقيم أدلة على جوازه العقلى ، وأدلة أخرى على وقوعه السمعى.
أدلة جواز النسخ عقلا.
أما أدلة جوازه العقلى. فأربعة إجمالا ، ولا يضير بعضها أن يكون دليلا على الجواز والوقوع معا.
(الدليل الأول) أن النسخ لا محظور فيه عقلا ، وكل ما كان كذلك جائز عقلا. أما الكبرى فمسلمة. وأما الصغرى فيختلف دليلها عند أهل السنة عن دليلها عند المعتزلة ، تبعا لاختلاف الفرقتين فى أن أحكام الله تعالى يجب أن تتبع المصلحة لعباده أو لا يجب أن تتبعها.
فأهل السنة يقولون : إنه لا يجب على الله تعالى لعباده شىء ، بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال ، وله بناء على اختياره ومشيئته ، وكبريائه وعظمته ، أن يأمر عباده بما شاء ، وينهاهم عما شاء وأن يبقى من أحكامه على ما شاء ، وأن ينسخ منها ما شاء