تمسك برأيه ، خصوصا أن فيه رحمة برجل من الناس وإن كان منافقا ، وكان صلىاللهعليهوسلم مطبوعا على الرحمة (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).
الوجه العاشر
مظهر النبى صلىاللهعليهوسلم عند هبوط الوحى عليه
وبيان ذلك أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان فى أول عهده بالوحى ، يتعجل فى تلقفه ، ويحرك لسانه بالقرآن من قبل أن يفرغ أمين الوحى من إيحائه إليه ، وذلك للإسراع بحفظه والحرص على استظهاره حتى يبلغه للناس كما أنزل. وكان عليه الصلاة والسلام يجد من ذلك شدة على نفسه فوق الشدة العظمى التى يحسها من نزول الوحى عليه ، حتى إن جبينه ليتفصد عرقا فى اليوم الشديد البرد ، وحتى أن جسمه ليثقل بحيث يحس ثقله من بجواره ، وحتى إن وجهه ليحمر ويسمع له غطيط. روى مسلم «أنه صلىاللهعليهوسلم كان إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك وتربد وجهه الشريف» فاقتضت رحمة الله بمصطفاه أن يخفف عنه هذا العناء فأنزل عليه فى سورة القيامة : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ). وبهذا اطمأن الرسول ثقة بأن الله قد تكفل له بأن يجمع القرآن فى صدره ، وأن يقرأه على الناس كاملا لا ينقص كلمة ولا حرفا ، وأن يبين له معناه فلا تخفى عليه خافية منه. وكذلك قال الله فى سورة الأعلى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) وقال له مرة ثالثة فى سورة طه : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).
ألا ترى فى هذا كله نورا يهدى إلى أن القرآن كلام الله وحده ، ومحال أن يكون كلام محمد ، وإلا لما احتاج إلى هذا العناء الذى كان يعانيه فى نزول القرآن عليه ، ولكان الهدوء والسكون والصمت أجدى فى إنضاج الفكرة وانتقاء ألفاظها لديه ، ولما كان ثمة من داع إلى أن يطمأن على حفظه وتبليغه وبيان معانيه!. أضف إلى ذلك أن هذه الحال