٢ ـ نسخ القرآن بالسنة
(القسم الثانى) نسخ القرآن بالسنة. وقد اختلف العلماء فى هذا القسم بين مجوز ومانع. ثم اختلف المجوزون بين قائل بالوقوع وقائل بعدمه. وإذن يجرى البحث فى مقامين اثنين. مقام الجواز ومقام الوقوع ..
(ا) مقام الجواز :
القائلون بالجواز هم مالك وأصحاب أبى حنيفة وجمهور المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة. وحجتهم أن نسخ القرآن بالسنة ليس مستحيلا لذاته ولا لغيره. أما الأول فظاهر ، وأما الثانى فلأن السنة وحى من الله كما أن القرآن كذلك ، لقوله تعالى (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) ولا فارق بينهما إلا أن ألفاظ القرآن من ترتيب الله وإنشائه ؛ وألفاظ السنة من ترتيب الرسول وإنشائه ، والقرآن له خصائصه وللسنة خصائصها. وهذه الفوارق لا أثر لها فيما نحن بسبيله ، ما دام أن الله هو الذى ينسخ وحيه بوحيه. وحيث لا أثر لها ، فنسخ أحد هذين الوحيين بالآخر ، لا مانع يمنعه عقلا كما أنه لا مانع يمنعه شرعا أيضا ، فتعين جوازه عقلا وشرعا.
هذه حجة المجيزين. أما المانعون ـ وهم الشافعى وأحمد فى إحدى روايتين عنه وأكثر أهل الظاهر ـ فيستدلون على المنع بأدلة خمسة ، وها هي ذى مشفوعة بوجوه نقضها.
(دليلهم الأول) أن الله تعالى يقول لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). وهذا يفيد أن وظيفة الرسول منحصرة فى بيان القرآن. والسنة إن نسخت القرآن لم تكن حينئذ بيانا له ، بل تكون رافعة إياه.