الكتاب الكريم ، ليتحقق العالم أنه على ما يقوله موحيه سبحانه وتعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).
وبذلك يتضح سر نهضة المسلمين التى حصلت لهم زعامة العلم والحكمة فى العالم فى سنين معدودة ، فإنهم لو كانوا بدءوا حياتهم العلمية على النحو الذى تبدؤها به كل أمة ، ما استطاعوا أن يبزوا الأمم التى تقدمتهم فى هذا السبيل بقرون كثيرة. ولكنهم لبدئهم إياها مستنيرين بهذه الأصول القرآنية العالية ، بلغوا منها أوجا فى مدى قصير لم تبلغه أمة فى آماد طويلة. وعلى المسلمين اليوم أن يدركوا هذا الأمر الجلل ، وأن يجعلوا كتابهم نبراسا لهم فى اقتباسهم العلم عن الأمم الغربية ، ليبلغوا منه ما بلغه أسلافهم فى عهدهم الأول ، ويزيدوا عليه ما هدى إليه البشر فى العصور الأخيرة اه.
الوجه الثامن آيات العتاب
ومعنى هذا أن القرآن سجل فى كثير من آياته بعض أخطاء فى الرأى على الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ووجه إليه بسيبها عتابا نشعر بلطفه تارة وبعنفه أخرى. ولا ريب أن العقل المنصف يحكم جازما بأن هذا القرآن كلام الله وحده ، ولو كان كلام محمد ما سجل على نفسه هذه الأخطاء وهذا العتاب ، يتلوهما الناس بل ويتقربون إلى الله بتلاوتهما حتى يوم المآب.
الخطأ فى الاجتهاد ليس معصية :
وننبهك فى هذه المناسبة إلى أن هذا الخطأ ليس معصية ، حتى يقدح ذلك فى عصمة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إنما هو خطأ فحسب ، بل هو من نوع الخطأ الذى يستحق صاحبه أجرا ، لأنه صادر عن اجتهاد منه. والاجتهاد الصالح ـ وهو بذل الجهد فى الاطلاع والبحث والموازنة والاستنتاج ـ مجهود شاق يبذله صاحبه لغرض شريف ، فليس من الإنصاف حرمانه من