الأجسام والأشباح ، أما سلطان هذا الكتاب فقد امتد إلى حرائر النفوس وكرائم الأرواح ، بما لم يعهد له نظير فى أية نهضة من النهضات!.
ولقد أشار القرآن نفسه إلى هذا الوجه من وجوه إعجازه ، حين سمى الله كتابه روحا من أمره بقوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) وحين سماه نورا بقوله : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) وحين وصف بالحياة والنور من آمن به فى قوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها؟). وفى قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً). وفى قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ).
هذا التأثير الخارق أو النجاح الباهر الذى نتحدث فيه ، أدركه ولا يزال يدركه كل من قرأ القرآن فى تدبر وإمعان ونصفة ، حاذقا لأساليبه العربية ، ملما بظروفه وأسباب نزوله. أما الذين لم يحذقوا لغة العرب ولم يحيطوا بهذه الظروف والأسباب الخاصة ، فيكفيهم أن يسألوا التاريخ عما حمل هذا الكتاب من قوة محولة غيرت صورة العالم ، ونقلت حدود الممالك ، عن طريق استيلائها على قلوب المخاطبين به لأول مرة استيلاء أشبه بالقهر وما هو بالقهر ، وأفعل من السحر وما هو بالسحر ، سواء فى ذلك أنصاره وأعداؤه ، ومحالفوه ومخالفوه! وما ذاك إلا لانهم ذاقوا بسلامة فطرتهم العربية بلاغته ، ولمسوا بحاستهم البيانية اعجازه ؛ فوجد تياره الكهربائى موضعا فى نفوسهم لشرارة ناره ، أو لهطول غيثه وانبلاج أنواره!.
تأثيره فى أعدائه :
أما أعداؤه المشركون ، فقد ثبت أنه جذبهم إليه بقوته فى مظاهر كثيرة ، نذكر بعضها على سبيل التمثيل :