وقولنا : (بدليل شرعى) قيد ثان ، خرج به رفع حكم شرعى بدليل عقلى ، وذلك كسقوط التكليف عن الإنسان بموته أو جنونه أو غفلته ، فإن سقوط التكليف عنه بأحد هذه الأسباب يدل عليه العقل ، إذ الميت والمجنون والعاقل لا يعقلون خطاب الله حتى يستمر تكليفهم ، والعقل يقضى بعدم تكليف المرء إلا بما يتعقله ، وأن الله تعالى إذا أخذ ما وهب أسقط ما وجب. ولا يقدح فى كون هذا الدليل عقليا مجىء الشرع معززا له بمثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع القلم عن ثلاث ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبى حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق».
توجيهات أربعة :
وإنى أوجه نظرك فى هذا التعريف إلى نقاط أربع :
(أولاها) أن التعبير برفع الحكم يفيد أن النسخ لا يمكن أن يتحقق إلا بأمرين (أحدهما) أن يكون هذا الدليل الشرعى متراخيا عن دليل ذلك الحكم الشرعى المرفوع. (والآخر) أن يكون بين هذين الدليلين تعارض حقيقى ، بحيث لا يمكن الجمع بينهما وإعمالهما معا. أما إذا انتفى الأمر الأول ولم يكن ذلك الدليل الشرعى متراخيا عن دليل الحكم الأول فلا نسخ ، وذلك كقوله تعالى : و (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) فإن الغاية المذكورة وهى قوله : «إلى الليل» تفيد انتهاء حكم الصوم وهو وجوب إتمامه بمجرد دخول الليل. ولكن لا يقال لهذه الغاية الدالة على انتهاء هذا الحكم إنها نسخ. وذلك لاتصالها بدليل الحكم الأول ، وهو قوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ) بل تعتبر الغاية المذكورة بيانا أو إتماما لمعنى الكلام وتقديرا له بمدة أو شرط. فلا يكون رافعا وإنما يكون رافعا إذا ورد الدليل الثانى بعد أن ورد الحكم مطلقا واستقر من غير تقييد ، بحيث يدوم لو لا الناسخ. ولهذا زاد بعضهم تقييد الدليل الشرعى فى تعريف الناسخ بالتراخى. وزاد بعضهم كلمة «على وجه لولاه