أو تأبيد ، وطرو الناسخ احتمال مرجوح : واستصحاب الأصل أمر يميل إليه الطبع ، كما يؤيده العقل والشرع.
(ثالثها) أن جواز نسخ الشريعة الإسلامية إن لزمنا معاشر القائلين بالنسخ ـ فإنه يلزمنا على اعتبار أنه احتمال عقلى لا شرعى ، بدليل أننا نتكلم فى الجواز العقلى لا الشرعى. أما نسخ الشريعة الإسلامية بغيرها من الناحية الشرعية فهو من المحالات الظاهرة ، لتضافر الأدلة على أن الإسلام دين عام خالد. ولا يضير المحال فى حكم الشرع ، أن يكون من قبيل الجائز فى حكم العقل.
الشبهة الرابعة ودفعها :
يقولون : إن النسخ يستلزم اجتماع الضدين ، واجتماعهما محال. وبيان ذلك أن الأمر بالشىء يقتضى أنه حسن وطاعة ومحبوب لله ، والنهى عنه يقتضى أنه قبيح ومعصية ومكروه له تعالى. فلو أمر الله بالشىء ثم نهى عنه ، أو نهى عن الشيء ثم أمر به ، لاجتمعت هذه الصفات المتضادة فى الفعل الواحد الذى تعلق به الأمر والنهى.
وندفع هذه الشبهة بأن الحسن والقبح وما اتصل بهما ، ليست من صفات الفعل الذاتية حتى تكون ثابتة فيها لا تتغير : بل هى تابعة لتعلق أمر الله ونهيه بالفعل. وعلى هذا يكون الفعل حسنا وطاعة ومحبوبا لله ما دام مأمورا به من الله ، ثم يكون هذا الفعل نفسه قبيحا ومعصية ومكروها له تعالى ما دام منهيا عنه منه تعالى. والقائلون بالحسن والقبح العقليين من المعتزلة ، يقرون بأنهما يختلفان باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال. وبهذا التوجيه ينتفى اجتماع الضدين ، لأن الوقت الذى يكون فيه الفعل حسنا ، غير الوقت الذى يكون فيه ذلك الفعل قبيحا ، فلم يجتمع الحسن والقبح فى وقت واحد على فعل واحد.
(٧ ـ مناهل العرفان ـ ٢)