أما المتشابه فهو ما كانت دلالته غير راجحة ، وهو المجمل والمؤول والمشكل ؛ لاشتراكها فى أن دلالة كل منها غير راجحة. وأما المشترك فإن أريد منه كل معانيه فهو من قبيل الظاهر ، وإن أريد بعضها على التعيين فهو مجمل.
ثم إن صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، لا بد فيه من دليل منفصل. وذلك الدليل المنفصل إما أن يكون لفظيا وإما أن يكون عقليا. والدليل اللفظى لا يكون قطعيا ، لأنه موقوف على نقل اللغات ، ونقل وجوه النحو والتصريف ، وموقوف على عدم الاشتراك ، وعدم المجاز ، وعدم الاضمار ، وعدم التخصيص ، وعدم المعارض العقلى والنقلى. وكل ذلك مظنون. والموقوف على المظنون مظنون.
وعلى ذلك فلا يمكن صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معنى مرجوح بدليل لفظى فى المسائل الأصولية الاعتقادية. ولا يجوز صرفه إلا بواسطة قيام الدليل القطعى العقلى على أن المعنى الراجح محال عقلا وإذا عرف المكلف أنه ليس مراد الله تعالى ، فعند ذلك لا يحتاج إلى أن يعرف أن ذلك المرجوح ما هو؟ لأن طريقه إلى تعيينه إنما يكون بترجيح مجاز على مجاز ، وبترجيح تأويل على تأويل. وذلك الترجيح لا يكون إلا بالدلائل اللفظية ، وهى لا تفيد إلا الظن. والتعويل عليها فى المسائل القطعية لا يفيد. لذا كان مذهب السلف عدم الخوض فى تعيين التأويل فى المتشابه ، بعد اعتقاد أن ظاهر اللفظ محال ، لقيام الأدلة العقلية القطعية على ذلك» اه.
نظرة فى هذه الآراء :
نحن إذا نظرنا فى هذه الآراء ، لا نجد بينها تناقضا ولا تعارضا ، بل نلاحظ بينها تشابها وتقاربا. بيد أن رأى الرازى أهداها سبيلا ، وأوضحها بيانا ؛ لأن أمر الإحكام والتشابه يرجع فيما نفهم ، إلى وضوح المعنى المراد للشارع من كلامه وإلى عدم وضوحه. وتعريف الرازى جامع مانع من هذه الناحية ، لا يدخل فى المحكم ما كان خفيا ، ولا فى