(ثالثا) أن هذه الجملة على تسليم صحتها وصحة رواتها وكتابها الذى جاءت فيه. لا تدل على امتناع النسخ مطلقا. إنما تدل على امتناع نسخ شىء من شريعة المسيح فقط فشبهتهم على ما فيها. قاصرة قصورا بينا عن مدعاهم.
٣ ـ شبهة العيسوية :
يقول هؤلاء اليهود أتباع أبى عيسى الأصفهانى : لا سبيل إلى إنكار نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأن الله تعالى قد أيده بالمعجزات الكثيرة القاهرة ، ولأن التوراة قد بشرت بمجيئه ، ولا سبيل أيضا إلى القول بعموم رسالته ، لأن ذلك يؤدى إلى انتساخ شريعة إسرائيل بشريعته ، وشريعة إسرائيل مؤبدة ، بدليل ما جاء فى التوراة من مثل : «هذه شريعة مؤبدة عليكم ما دامت السموات والأرض» وإنما هو رسول إلى العرب خاصة. وعلى هذا فالخلاف بينهم وبين من سبقهم ، أن دعواهم مقصورة على منع انتساخ شريعة موسى بشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم. وشبهتهم التى ساقوها متكافئة مع دعواهم هذه ، ويفهم من اقتصارهم على هذا أنهم يجوزون أن تتناسخ الشرائع سمعا ، فيما عدا هذه الصورة.
وندفع شبههم هذه بأمرين :
(أولهما) أن دليلهم الذى زعموه ، هو دليل العنانية والشمعونية من قبلهم ، ولقد أشبعناه تزييفا وتوهينا ، بالوجوه الستة التى أسلفناها آنفا. فالدفع هنا هو عين الدفع هناك ، فيما عدا الوجه الأول.
(ثانيهما) أن اعترافهم بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم رسول أيده الله بالمعجزات وجاءت البشارة به فى التوراة ، يقضى عليهم لا محالة أن يصدقوه فى كل ما جاء به ، ومن ذلك أن رسالته عامة ، وأنها ناسخة للشرائع قبله ، حتى شريعة موسى نفسه ، الذى قال فيه صلىاللهعليهوسلم بخصوصه : «لو كان أخى موسى حيا ما وسعه إلا اتباعى»