ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب قلنا به من غير توقف ، كما فى قوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) فنحمله على حق الله وما يجب له اه.
تطبيق وتمثيل :
ولنطبق هذه المذاهب على قوله سبحانه : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ، فنقول : يتفق الجميع من سلف وخلف على أن ظاهر الاستواء على العرش ، وهو الجلوس عليه مع التمكن والتحيز ، مستحيل لأن الأدلة القاطعة تنزه الله عن أن يشبه خلقه أو يحتاج إلى شىء منه ، سواء أكان مكانا يحل فيه أم غيره. وكذلك اتفق السلف والخلف على أن هذا الظاهر غير مراد لله قطعا ، لأنه تعالى نفى عن نفسه المماثلة لخلقه ، وأثبت لنفسه الغنى عنهم ، فقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقال (لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فلو أراد هذا الظاهر لكان متناقضا.
ثم اختلف السلف والخلف بعد ما تقدم ، فرأى السلفيون أن يفوضوا تعيين معنى الاستواء إلى الله ، هو أعلم بما نسبه إلى نفسه وأعلم بما يليق به ، ولا دليل عندهم على هذا التعيين. ورأى الخلف أن يؤولوا ، لأنه يبعد كل البعد أن يخاطب الله عباده بما لا يفهمون ، وما دام ميدان اللغة متسعا للتأويل وجب التأويل. بيد أنهم افترقوا فى هذا التأويل فرقتين ؛ فطائفة الأشاعرة يؤولون من غير تعيين ويقولون : إن المراد من الآية إثبات أنه تعالى متصف بصفة سمعية لا نعلمها على التعيين ، تسمى صفة الاستواء. وطائفة المتأخرين يعينون فيقولون : إن المراد بالاستواء هنا هو الاستيلاء والقهر ، من غير معاناة ولا تكلف ؛ لأن اللغة تتسع لهذا المعنى ، ومنه قول الشاعر العربى :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
أى استولى وقهر ، أو دبر وحكم ، فكذلك يكون معنى النص الكريم : الرحمن