المراد بالقرآن هنا :
ولقد سبقت كلمتنا فى بيان مدلول القرآن ، وعرض الآراء والمذاهب فيه عرضا واسعا ، بالمبحث الأول فى الجزء الأول من هذا الكتاب. فارجع إليه إن شئت.
بيد أنا نلفت نظرك إلى أن المراد هنا فى مبحث الترجمة هو اللفظ المعجز ، لا الصفة القديمة صفة الكلام ، ولا الكلمات النفسية الحكمية ، ولا النقوش المكتوبة ، على ما قررناه ثمة. وإنما كان المراد بالقرآن خصوص اللفظ المعجز ، لأن الترجمة أضيفت اليه. وبدهى أن الترجمة لا تتناول إلا ما كان لفظا حقيقيا مصورا بصورة الحروف والأصوات ، ولا تتناول الصفة القديمة ، ولا الكلمات الحكمية الغيبية ، ولا النقوش المكتوبة ، اللهم إلا بضرب من التأويل.
معانى القرآن نوعان :
وبما أن الترجمة ملحوظ فيها الاحاطة بمعانى الأصل كلها ، نحيطك علما بأن القرآن الكريم ، بل أى كلام بليغ ، لا بد أن يحتوى ضربين من المعانى هما المعانى الأولية والمعانى الثانوية ، أو المعانى الأصلية والمعانى التابعة. فالمعنى الأولى لأى كلام بليغ هو ما يستفاد من هذا الكلام ومن أى صيغة تؤديه سواه ، ولو بلغة أخرى. كمجرد إسناد محكوم به إلى محكوم عليه. وسمى معنى أوليا لأنه أول ما يفهم من اللفظ. وسمى أصليا لأنه ثابت ثبات الأصول ، لا يختلف باختلاف المتكلمين ولا المخاطبين ولا لغات التخاطب. بل هو مما يستوى فيه العربى والعجمى ، والحضرى والبدوى ، والذكى والغبى.
أما المعنى الثانوى فهو ما يستفاد من الكلام زائدا على معناه الأولى. وسمى ثانويا لأنه متأخر فى فهمه عن ذلك. وسمى تابعا لأنه أشبه بقيد فيه ، والقيد تابع للمقيد.
(٢ ـ مناهل العرفان ـ ٢)