الذى لا بد أن يكون أرجح منه ، حتى يعقل نسخه له. وعلى هذا يكون القياس المتأخر مبينا بطلان اقتضاء القياس المتقدم للحكم ، لا ناسخا له.
نسخ الإجماع والنسخ به
جمهور الأصوليين على أن الإجماع لا يجوز أن يكون ناسخا ولا منسوخا واستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون ناسخا ؛ بأن المنسوخ به إما أن يكون نصا أو إجماعا أو قياسا. لا جائز أن يكون نصا ، لأن الإجماع لا بد أن يكون له نص يستند إليه ؛ خصوصا إذا انعقد على خلاف النص. وإذن يكون الناسخ هو ذلك النص الذى استند إليه الإجماع لا نفس الإجماع ولا جائز أن يكون المنسوخ بالإجماع إجماعا ؛ لأن الإجماع لا يكون إلا عن مستند يستند إليه من نص أو قياس ، إذ الإجماع بدون مستند قول على الله بغير علم ، والقول على الله بغير علم ضلالة ، والأمة لا تجتمع على ضلالة. ومستند الإجماع الثانى لا بد أن يكون نصا حدث بعد الإجماع الأول ، لأن ذلك النص لو تحقق قبل الإجماع الأول ما أمكن أن ينعقد الإجماع على خلافه ولا ريب أن حدوث نص بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم محال ، فما أدى إليه وهو نسخ الإجماع بالإجماع محال. ولا جائز أن يكون المنسوخ بالإجماع قياسا ، لأن الإجماع على خلاف القياس يقتضى أحد أمرين : إما خطأ القياس ، وإما انتساخه بمستند الإجماع وعلى كلا التقديرين فلا يكون الإجماع ناسخا ، واستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون الإجماع منسوخا ، بأن الإجماع لا يعتبر حجة إلا بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وإذن فالناسخ له إما أن يكون نصا أو قياسا أو إجماعا. لا جائز أن يكون نصا ، لأن الناسخ متأخر عن المنسوخ! ولا يعقل أن يحدث نص بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ولا جائز أن يكون الناسخ الإجماع قياسا لأن نسخ الإجماع بالقياس يقتضى أن يكون الحكم الدال على الأصل حادثا بعد الرسول وهو باطل. ولا جائز أن يكون الناسخ للإجماع إجماعا ، لما سبق. وأما قولهم : هذا الحكم منسوخ إجماعا ، فمعناه أن الإجماع انعقد على أنه نسخ بدليل من الكتاب أو السنة ؛ لا أن الإجماع هو الذى نسخه.