الترجمة ليست تعريفا منطقيا :
أوجس بعض الباحثين خيفة من أن يظن أحد أن الترجمة من قبيل التعريف اللفظى. ولكنا إذا أنعمنا النظر رأينا أن الترجمة بالمعنى العرفى الذى قررناه ، لا يمكن أن تكون تعريفا لفظيا ولا حقيقيا وذلك من وجهين :
(أحدهما) أن التعاريف كلها من قبيل التصورات ، أما الترجمة فكلام تام. وقضايا كاملة ، وهى بلا شك من قبيل التصديقات.
(ثانيهما) أن صيغة التعريف مرتبطة دائما بالمعرف ، لأنها قول شارح له ، والشرح والبيان مرتبط فى صيغته بالمشروح والمبين ، أما الترجمة فقد فرغنا من أن صيغتها مستقلة عن الأصل المترجم ، لأن الغرض منها أن تقوم بدلا منه ، وأن يستغنى بها عنه ، فلا معنى لأن يجتمع فيها البدل والمبدل منه.
نعم إن تفسير المفرد بلغة غير لغته ، يكون من قبيل التعريف الحقيقى إن أفاد حصول صورته فى ذهن المفسر له ويكون من قبيل التعريف اللفظى إن أفاد حضور صورته الحاصلة من قبل ، على نمط قولهم فى تعريف الإنسان لمن لا يعرف حقيقته : «الإنسان حيوان ناطق» وقولهم فى تعريف البشر لمن يعرف حقيقة الإنسان ولا يعرف دلالة لفظ البشر عليه : «البشر هو الإنسان». ولكننا لسنا هنا بصدد المفردات وتفسيرها ، فبحثنا فى الترجمة لا فى التفسير ، وفى الكلام المفيد لا الكلمات المفردة.
القرآن ومعانيه ومقاصده
الآن وقد انتهينا من الكلام على أول المتضايفين فى لفظ (ترجمة القرآن) ، نقف معك وقفة أخرى بجانب ثانى هذين المتضايفين وهو القرآن نفسه ، لنستبين المراد به هنا ، ولنعرف أنواع معانيه ومقاصده تمهيدا للحكم الصحيح عليه بأنه تمكن ترجمته أو لا تمكن.