وقوله سبحانه فى سورة الكهف : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ، وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) وقوله سبحانه فى سورة الرعد : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ).
الخاصة السادسة :
جمع القرآن بين الإجمال والبيان. مع أنهما غايتان متقابلتان لا يجتمعان فى كلام واحد للناس! بل كلامهم إما مجمل وإما مبين (١). لأن الكلمة إما واضحة المعنى لا تحتاج إلى بيان. وإما خفية المعنى تحتاج إلى ، بيان ولكن القرآن وحده هو الذى انخرقت له العادة ، فتسمع الجملة منه وإذا هى بينة مجملة فى آن واحد ، أما أنها بينة أو مبينة (بتشديد الياء وفتحها) فلأنها واضحة المغزى وضوحا يريح النفس من عناء التنقيب والبحث لأول وهلة ، فإذا أمعنت النظر فيها لاحت منها معان جديدة كلها صحيح أو محتمل لأن يكون صحيحا ، وكلما أمعنت فيها النظر زادتك من المعارف والأسرار ، بقدر ما تصيب أنت من النظر وما تحمل من الاستعداد على حد قول القائل.
«يزيدك وجهه حسنا |
|
إذا ما زدته نظرا» |
ولهذا السر وسع كتاب الله جميع أصحاب المذهب الحضر من أبناء البشر ، ووجد أصحاب هذه المذاهب المختلفة والمشارب المتباينة ، شقاء أنفسهم وعقولهم فيه ، وأخذت الأجيال المتعاقبة من مدده الفياض ما جعلهم يجتمعون عليه ويدينون به ولا كذلك البشر
__________________
(١) المجمل ما له دلالة غير واضحة ، فخرج المهمل والمبين. والمبين ما لا خفاء فيه لا ما وقع إليه السياق. مثال الأول لفظ القرء ولفظ مختار ، وقوله تعالى : إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ لأن الأول متردد بين الحيض والطهر ، والثانى بين الفاعل والمفعول والثالث مجهول معناه قبل نزول آية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ). والمبين نحو والسارق والسارقة فاقطعوا ـ و ـ حرمت عليكم أمهاتكم.