لو دخل فى القرآن شىء من كلام الناس لاعتل مذاقه فى أفواه قارئيه ، واختل نظامه فى آذان سامعيه.
ومن عجيب أمر هذا الجمال اللغوى ، وذاك النظام الصوتى ، أنهما كما كانا دليل إعجاز من ناحية ، كانا سورا منيعا لحفظ القرآن من ناحية أخرى. وذلك أن من شأن الجمال اللغوى والنظام الصوتى ، أن يسترعى الأسماع ، ويثير الانتباه ، ويحرك داعية الإقبال فى كل إنسان ، إلى هذا القرآن الكريم. وبذلك يبقى أبد الدهر سائدا على ألسنة الخلق وفى آذانهم ، ويعرف بذاته ومزاياه بينهم ، فلا يجرؤ أحد على تغييره وتبديله مصداقا لقوله سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
الخاصة الثانية :
إرضاؤه العامة والخاصة. و؟؟؟ هذا أن القرآن الكريم إذا قرأته على العامة أو قرئ عليهم ، أحسوا جلاله ، وذاقوا حلاوته ، وفهموا منه على قدر استعدادهم ما يرضى عقولهم وعواطفهم. وكذلك الخاصة إذا قرءوه أو قرئ عليهم ؛ أحسوا جلاله وذاقوا حلاوته ، وفهموا منه أكثر مما يفهم العامة ، ورأوا أنهم بين يدى كلام ليس كمثله كلام لا فى إشراق ديباجته ولا فى امتلائه وثروته ، ولا كذلك كلام البشر ، فإنه إن أرضى الخاصة والأذكياء ، لجنوحه إلى التجوز والإغراب والإشارة ، لم يرض العامة لأنهم لا يفهمونه وإن أرضى العامة لجنوحه إلى التصريح والحقائق العارية المكشوفة ، لم يرض الخاصة لنزوله إلى مستوى ليس فيه متاع لأذواقهم ومشاربهم وعقولهم.
الخاصة الثالثة :
إرضاؤه العقل والعاطفة. ومعنى هذا أن أسلوب القرآن يخاطب العقل والقلب معا ،
(١٤ ـ مناهل العرفان ـ ٢)