كان الذى أوتيته حيا أوحاه الله تعالى إلى فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» رواه الشيخان.
الوجه الثانى طريقة تأليفه
وبيان ذلك أن القرآن لم ينزل جملة واحدة ، وإنما نزل مفرقا منجما على أكثر من عشرين عاما ، على حسب الوقائع والدواعى المتجددة ، كما تقدم بيانه فى المبحث الثالث من هذا الكتاب ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم كلما نزل عليه نجم من تلك النجوم قال : ضعوه فى مكان كذا من سورة كذا. وهو بشر لا يدرى (طبعا) ما ستجىء به الأيام ، ولا يعلم ما سيكون فى مستقبل الزمان ، ولا يدرك ما سيحدث من الدواعى والأحداث ، فضلا عما سينزل فيها. ثم مضى العمر الطويل والرسول على هذا العهد ، وإذا القرآن كله بعد ذلك يكمل ويتم ، وينتظم ويتآخى ويأتلف وينسجم ، ولا يؤخذ عليه شىء من التخاذل والتفاوت ، بل كان من ضروب إعجازه ما فيه من انسجام ووحدة وترابط ، حتى إن الناظر فيه دون أن يعلم بتنجيم نزوله ، لا يخطر على باله أنه نزل منجما ، وحتى إنك مهما أمعنت النظر وبحثت ، لا تستطيع أن تجد فرقا بين السور التى نزلت جملة والسور التى نزلت منجمة ، من حيث إحكام الربط فى كل منهما. فسورة البقرة مثلا وقد نزلت بضعة وثمانين نجما فى تسع سنين (١). لا تجد فرقا بينها وبين سورة الأنعام التى نزلت دفعة واحدة كما يقول الجمهور (٢) من حيث
__________________
(١) وجه نزولها فى تسع سنين أنها جمعت بين ما نزل فى مبادى السنة الثانية للهجرة ، كآيات تحويل القبلة وآيات تشريع صوم رمضان وبين آخر القرآن نزولا على الإطلاق ، وهو آية (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) التى ورد أنها نزلت قبل وفاته صلىاللهعليهوسلم بتسع ليال فقط.
(٢) رواه الطبرانى موقوفا على ابن عباس ورواه أبى بن كعب مرفوعا بسند ضعيف.