مطاعن شنيعة جارحة ، لا تبقى لأى واحد منهم أى نصيب من عدالة أو ثقة ، ولا تجعل لهذه النسخ التى زعموا أنها التوراة أقل شىء من القيمة أو الصحة ، ما داموا هم رواتها وحفاظها ، وما دامت هى لم تعرف إلا عن طريقهم وبروايتهم.
(ثالثها) أن هذا التواتر الذى خلعوه على التوراة لا يسلم لهم أيضا لأنها لو كانت متواترة لحاجوا بها أفضل الرسل صلىاللهعليهوسلم ، ولعارضوا دعواه عموم رسالته بقول التوراة التى يؤمن بها ولا يجحدها ، بل يجهر بأنه جاء مصدقا لها ؛ ويدعو المسلمين أنفسهم إلى الإيمان بها. ولكن ذلك لم يكن. ولو كان لنقل واشتهر. بل الذى نقل واشتهر هو أن كثيرا من أحبار اليهود وعلمائهم كعبد الله بن سلام وأضرابه ، قد ألقوا القياد لرسول الله مؤمنين ودانوا لشريعته مسلمين واعترفوا بأنه الرسول الذى بشرت به التوراة والانجيل.
(رابعها) أن لفظ التأبيد الذى اعتمدوا عليه فيما نقلوه ، لا يصلح حجة لهم ، لأنه يستعمل كثيرا عند اليهود معدولا به عن حقيقته. من ذلك ما جاء فى البقرة التى أمروا بذبحها : «هذه سنة لكم أبدا» وما جاء فى القربان : «قربوا كل يوم خروفين قربانا دائما» مع أن هذين الحكمين منسوخان باعتراف اليهود أنفسهم ، على رغم التصريح فيهما بما يفيد التأبيد كما ترى.
(خامسها) أن نسخ الحكم المؤبد لفظا جائز على الصحيح ، كما أشرنا إلى ذلك قبلا. فلتكن هاتان العبارتان اللتان اعتمدوا عليهما منسوختين أيضا. وشبهة التناقض تندفع بأن التأبيد مشروط بعدم ورود ناسخ ، فإذا ورد الناسخ انتفى ذلك التأبيد ، وتبين أنه كان مجرد تأبيد لفظى للابتلاء والاختبار فتأمل.
٢ ـ شبهة النصارى :
يقولون : إن المسيح عليهالسلام قال : «السماء والأرض تزولان وكلامى لا يزول». وهذا يدل على امتناع النسخ سمعا.