الآيات أن أهل مكة لما تمردوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم واستعصوا ، دعا عليهم بسنين كسنى يوسف ، أى بالجوع والقحط الشديدين ، عسى أن يتوبوا ويؤمنوا بالله ورسوله. فأجابه الله بهذه الآيات. وفيها عند التأمل خمسة تنبؤات :
(أولها) الإخبار بما يغشاهم من القحط وشدة الجوع ، حتى ينظر الرجل إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان.
(ثانيها) الإخبار بأنهم سيضرعون إلى الله حين تحل بهم هذه الأزمة : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ).
(ثالثها) الإخبار بأن الله سيكشف عنهم ذلك العذاب قليلا :
(رابعها) الإخبار بأنهم سيعودون إلى كفرهم وعتوهم.
(خامسها) الإخبار بأن الله سينتقم منهم يوم البطشة الكبرى وهو يوم بدر.
ولقد حقق الله ذلك كله ما انخرم منه ولا نبوءة واحدة ، فأصيبوا بالقحط حتى أكلوا العظام ، وجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من شدة جوعه وجهده. ثم قالوا متضرعين ذلك الذى حكاه الله عنهم : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ). ثم كشف الله عنهم هذا العذاب قليلا ، ثم عادوا إلى كفرهم وعتوهم. ثم انتقم الله منهم يوم بدر فبطش بهم البطشة الكبرى حيث قتل منهم سبعون وأسر سبعون وأديل للمسلمين منهم!.
أرأيت ذلك كله؟ وهل يمكن أن يصدر مثله من مخلوق؟ كلا بل هو الله العزيز الحكيم.
(المثال التاسع) تنبأ القرآن بهذا المستقبل المظلم الأسود ، المضروب على اليهود بوجه مؤكد مؤبد ، ثم تحقق هذا النبأ كاملا عاما يتناول القرون والأجيال من عهد نزول القرآن
(١٨ ـ مناهل العرفان ـ ٢)