الشبهة الثانية ودفعها :
يقولون : إن الفعل الذى ينسخ طلبه قبل التمكن من امتثاله. إما أن يكون مطلوبا وقت ورود النسخ أولا فإن كان مطلوبا وقت ورود النسخ أدى ذلك إلى توارد النفى والإثبات على شىء واحد ، وهو محال وإن لم يكن الفعل مطلوبا وقت ورود النسخ فلا نسخ ، لأن النسخ لا بد لتحققه من حكم سابق يرد عليه ويرفعه. والفرض هنا أنه ورد والحكم مرتفع.
وندفع هذه الشبهة (أولا) بأن الفعل لم يكن مطلوبا وقت ورود الناسخ. ولكن هذا لا ينفى حقيقة النسخ كما زعموا بل هو المحقق له ؛ لأن النسخ كالعلة فى ارتفاع الحكم ، والمعلول مقارن للعلة فى الزمن ، وإن تأخر عنها فى التعقل فالحكم إذن لا بد أن يرتفع عند ورود الناسخ بسبب وروده ، وإلا لم يعقل النسخ.
(ثانيا) أن هذه الشبهة تجرى فى كل صورة من صور النسخ ، وحينئذ لا مفر لهم من إحدى اثنتين : أن يمنعوا النسخ مطلقا ، مع أنهم لا يقولون به ، أو يكونوا فى شبهتهم هذه مبطلين.
الشبهة الثالثة ودفعها :
يقولون : إذا قال الشارع : «صوموا غدا» لزم أن يكون صوم الغد حسنا وفيه مصلحة ، فإذا نهى عنه قبل مجىء الغد لزم أن يكون قبيحا فيه مفسدة واجتماع الحسن والقبح فى شىء واحد فى آن واحد محال.
وندفع هذه الشبهة (أولا) بأنها قامت على أساس باطل ، هو قاعدة الحسن والقبح العقليين. وتقرير بطلان هذه القاعدة معروف عند الأشاعرة من أهل السنة.
(ثانيا) أن نهى الشارع عن الشيء المطلوب قبل التمكن من أدائه ، يتبين منه أن ذلك الشيء قبيح عقلا متى نهى الله عنه. أما طلبه قبل ذلك فلا يدل على حسنه هو ، إنما يدل على حسن ما اتصل به مما استلزمه ذلك الطلب ، وهو إيمان العباد به ، واطمئنان