وندفع الوجه الثالث بأنا نقول بموجبه وهو أن الناسخ فى الحقيقة هو الله وحده والسنة إذا نسخته فإنما تنسخه من حيث إنها وحى صادر منه سبحانه.
شبهتان ودفعهما
(١) لقائل أن يقول : إن من السنة ما يكون ثمرة لاجتهاده صلىاللهعليهوسلم ، وهذا ليس وحيا أوحى إليه به ، بدليل العتاب الذى وجهه القرآن إلى الرسول فى لطف تارة وفى عنف أخرى. فكيف يستقيم بعد هذا أن نقول : إن السنة وحى من الله؟.
والجواب أن مرادنا هنا بالسنة ، ما كانت عن وحى جلى أو خفى ، أما السنة الاجتهادية ، فليست مرادة هنا البتة ، لأن الاجتهاد لا يكون إلا عند عدم النص ، فكيف يعارضه ويرفعه؟ وقد شرحنا أنواع السنة فى كتابنا (المنهل الحديث فى علوم الحديث) فارجع إليه إن شئت.
(٢) ولقائل أن يقول : إن من السنة ما كان آحاديا. وخبر الواحد مهما صح فإنه لا يفيد القطع ، والقرآن قطعى المتن ، فكيف ينسخ بالسنة التى لا تفيد القطع؟ ومتى استطاع الظن أن يرفع اليقين؟.
والجواب أن المراد بالسنة هنا السنة المتواترة دون الآحادية. والسنة المتواترة قطعية الثبوت أيضا كالقرآن. فهما متكافئان من هذه الناحية ، فلا مانع أن ينسخ أحدهما الآخر. أما خبر الواحد فالحق عدم جواز نسخ القرآن به ، للمعنى المذكور ، وهو أنه ظنى والقرآن قطعى ، والظنى أضعف من القطعى فلا يقوى على رفعه.
والقائلون بجواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية ، اعتمادا على أن القرآن ظنى الدلالة ، حجتهم داحضة ، لأن القرآن إن لم يكن قطعى الدلالة فهو قطعى