كثيرا ما يخطئون فى تنظيم أغراضهم إذا قالوا بل يأتون بها شتيتا مفككا غير متماسك ولا متجاذب ، مما يعاب الشعراء من أجله بسوء التخلص حين ينتقلون من غرض إلى غرض فى القصيدة الواحدة ومما يضطر الكتاب والعلماء والمؤلفين إلى تلافى هذا النقص ، بما يستخدمون فى تنقلاتهم بين أغراضهم ، من أسماء الإشارة وأدوات التنبيه والحديث عن النفس وكثرة التقسيم والترقيم والتبويب والعنونة ولفظ أما بعد نحو : هذا ، وإن ، ألا ، وإن قلنا كذا ونقول كذا ، ينقسم الكتاب إلى مباحث. المبحث الأول فى كذا الخ ، ينقسم هذا المبحث إلى نقاط أولها كذا الخ. ملاحظة. تنبيه : فذلكة. أما بعد الخ.
هذا فى كلام البشر. أما كلام مالك القوى والقدر. فإنه على تنوع أغراضه. وطول نفسه فى سوره وآياته. ينتقل من مقصد إلى مقصد. وينقلك أنت معه بين هذه المقاصد. غير مستعين بوسائل العجز المذكورة. بل بطريقة سحرية قد تشعر بها وقد لا تشعر. وحسبك أن تنظر فى المثال الآنف الذى قدمناه لك فى سورة الفاتحة ، وحبذا أن تنظر فى أطول سور القرآن وهى سورة البقرة. فإنك ستطرب وتعجب. وسيذهب بك الطرب والعجب إلى حد الذوق البالغ لهذا اللون من الإعجاز القاهر. وأدلك على كتاب النبأ العظيم فقد أجاد فى بيان هذا اللون وأبدع. وأشبع العقول والقلوب وأمتع بما عرض من التناسب والترابط بين آحاد هذه السورة!.
الخاصة الخامسة
براعته فى تصريف القول ، وثروته فى أفانين الكلام ، ومعنى هذا أنه يورد المعنى الواحد بألفاظ وبطرق مختلفة ، بمقدرة فائقة خارقة ، تنقطع فى حلبتها أنفاس الموهوبين من الفصحاء والبلغاء. ولسنا هنا بسبيل الاستيعاب والاستقراء ، ولكنها أمثلة تهديك ، ونماذج تكفيك :