أما أن يؤمنوا برسالته ، ثم لا يصدقوه فى عموم دعوته ، فذلك تناقض منهم لأنفسهم ، ومكابرة للحجة الظاهرة لهم ، (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ ، كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)!.
٤ ـ شبهة أبى مسلم :
النقل عن أبى مسلم مضطرب ، فمن قائل : إنه يمنع وقوع النسخ سمعا على الاطلاق. ومن قائل : إنه ينكر وقوعه فى شريعة واحدة. ومن قائل : إنه ينكر وقوعه فى القرآن خاصة ورجحت هذه الرواية الأخيرة بأنها أصح الروايات ، وبأن التأويلات المنقولة عنه لم تخرج عن حدود ما نسخ من القرآن. وأبعد الروايات عن الرجل هى الرواية الأولى ، لأنه لا يعقل أن مسلما فضلا عن عالم كأبى مسلم ينكر وقوع النسخ جملة اللهم إلا إذا كانت المسألة ترجع إلى التسمية فقط ، فإنها تهون حينئذ ، على معنى أن ما نسميه نحن نسخا ، يسميه هو تخصيصا بالزمان مثلا. وإلى ذلك ذهب بعض المحققين ؛ قال التاج السبكى : إن أبا مسلم لا ينكر وقوع المعنى الذى نسميه نحن نسخا ، ولكنه يتحاشى أن يسميه باسمه. ويسميه تخصيصا اه.
احتج أبو مسلم بقوله سبحانه : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). وشبهته فى الاستدلال أن هذه الآية تفيد أن أحكام القرآن لا تبطل أبدا. والنسخ فيه إبطال لحكم سابق.
وندفع مذهب أبى مسلم وشبهته بأمور أربعة :
(أولها) أنه لو كان معنى الباطل فى الآية هو متروك العمل به مع بقاء قرآنيته ، لكان دليله قاصرا عن مدعاه ، لأن الآية لا تفيد حينئذ إلا امتناع نوع خاص من النسخ