بين علو ونزول ، واتساع وانقباض ، وحركة وجمود ، وحضارة وبداوة ، والقرآن فى كل هذه الأدوار واقف فى عليائه ، يطل على الجميع من سمائه ، وهو يشع نورا وهداية ، ويفيض عذوبة وجلالة ، ويسيل رقة وجزالة ، ويرف جدة وطلاوة. ولا يزال كما كان غضا طريا يحمل راية الإعجاز ويتحدى أمم العالم فى يقين وثقة قائلا فى صراحة الحق وقوته ، وسلطان الإعجاز وصولته : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
القدر المعجز من القرآن
ومن عجيب أمر هذا القرآن وأمر هؤلاء العرب ، أنه طاولهم فى المعارضة ، وتنازل لهم عن التحدى بجميع القرآن إلى التحدى بعشر سور مثله ، ثم إلى التحدى بسورة واحدة من مثله ، وهم على رغم هذه المطاولة ، ينتقلون من عجز إلى عجز ، ومن هزيمة إلى هزيمة ، وهو فى كل مرة من مرات هذا التحدى وهذه المطاولة ، ينتقل من فوز إلى فوز ، ويخرج من نصر إلى نصر :
تصور أنه قال لهم فى سورة الطور أول ما تحداهم : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ؟ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ). فلما انقطعوا مدّ لهم فى الحبل وقال فى سورة هود : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ؟ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟). فلما عجزوا هذه المرة أيضا ، طاولهم مرة أخرى ، وأرخى لهم الحبل إلى آخره ، وقال فى سورة البقرة : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) فكان عجزهم بعد ذلك أشنع وأبشع ، وسجل الله عليهم الهزيمة أبد الدهر ، فلم يفعلوا ولن يفعلوا. ودحضت