فى مكة والمدينة ، على عهد نزول هذه الوعود المؤكدة الكريمة. حتى لقد كان أكبر أمانى المسلمين بعد هجرتهم وتنفسهم الصعداء قليلا ، أن يسلم لهم دينهم ويعيشوا آمنين فى مهاجرهم كما يدل على ذلك ما صححه الحاكم عن أبى بن كعب قال : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار ، رمتهم العرب عن قوس واحدة. وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه ، فقالوا : أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله؟ فنزلت الآية وكذلك روى ابن أبى حاتم عن البراء قال : نزلت هذه الآية ونحن فى خوف شديد (أى قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)) الخ .. هكذا كان حال الصحابة أيام أن وعدهم الله ما وعد ، وما أعجل تحقق هذا الوعد الإلهى رغم هذه الحال المنافية فى العادة لما وعد ، فدالت الدولة لهم ، واستخلفهم فى أقطار الأرض ، وأورثهم ملك كسرى وقيصر ، ومكن لهم دينهم الذى ارتضى لهم ، وأبدلهم من بعد خوفهم أمنا. يا لها نبوءة تأبى عادة أن يتحدث بها إلا من يملك تحقيقها ، ومن يخرق ـ إن شاء ـ عادات الكون ونواميسه من أجلها. (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ). (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ. إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
(المثال السادس) تنبأ القرآن بأن الرسول وأصحابه وقد كانوا بالمدينة ، سيدخلون مكة أمنين محلقين رءوسهم ومقصرين ، إذ قال سبحانه : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ ؛ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) ثم وقع هذا التنبؤ كما أخبر ، مع أن ظروفه لم تكن تسمح به فى مجرى العادة فدل ذلك على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون كلام محمد ولا مخلوق سواه ، بل هو كلام القادر على أن يبلغ مراده ويخرق العادة.
ولزيادة البيان تذكر ان الرسول صلىاللهعليهوسلم رأى فى نومه كأنه هو واصحابه قد دخلوا مكة آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين فقص رؤياه على اصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلوها من عامهم. ثم خرجوا محرمين يسوقون الهدى إلى مكة لا يقصدون حربا وانما يقصدون عمرة ونسكا ولكنهم ما كادوا يبلغون الحديبية حتى صدتهم قريش وأبت