بطلان كل ما يصدق عليه أنه مثل للقرآن. وفى هذا يقول الله سبحانه : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً). فنفى المثلية عن القرآن كما نفى المثلية عن نفسه فى قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وبالغ فى النفى وفى التحدى فجمع الإنس والجن على هذا العجز. ثم أكد هذا النفى وهذا التحدى مرة أخرى بتقرير عجز الثقلين عن المثلية ، على فرض معاونة بعضهم لبعض فيها ، واجتماع قواهم البيانية والعلمية عليها.
الحكم على هذه الترجمة بالاستحالة الشرعية :
الآن وقد تقرر أن ترجمة القرآن بهذا المعنى العرفي من قبيل المستحيل العادى ، لا نتردد فى أن نقرر أيضا أنها من قبيل المستحيل الشرعى ، أى المحظور الذى حرمه الله.
وذلك من وجوه ثمانية :
«الوجه الأول» أن طلب المستحيل العادى حرمه الإسلام ، أيا كان هذا الطلب ولو بطريق الدعاء ، وأيا كان هذا المستحيل ترجمة أو غير ترجمة ، لأنه ضرب من العبث ، وتضييع للوقت والمجهود فى غير طائل. والله تعالى يقول : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). والنبى صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا ضرر ولا ضرار» رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم يضاف إلى ذلك أن طلب المستحيل العادى غفلة أو جهل بسنن الله الكونية ، وبحكمته فى ربط الأسباب بمسبباتها العادية ، تطمينا لخلقه ، ورحمة بعباده (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
ولقد يعذر بعض الجهلة إذا ظنوا أن بعض المحالات أمور ممكنة فطلبوها ، ولكن الذى يحاول ترجمة القرآن بهذا المعنى لا يعذر بحال. لأن القرآن نفسه أعذر حين أنذر بأنه لا يمكن أن يأتى الجن والإنس بمثله ، وإن اجتمعوا له وكان بعضهم لبعض ظهيرا وبذلك «قطعت جهيزة قول كل خطيب».