وإذا ثبت وقوع هذين النوعين كما ترى ، ثبت جوازهما ، لأن الوقوع أعظم دليل على الجواز كما هو مقرر. وإذن بطل ما ذهب إليه المانعون له من ناحية الشرع ، كأبى مسلم ومن لف لفه. ويبطل كذلك ما ذهب إليه المانعون له من ناحية العقل ، وهم فريق من المعتزلة شذ عن الجماعة فزعم أن هذين النوعين الأخيرين مستحيلان عقلا.
ويمكنك أن تفحم هؤلاء الشذاذ من المعتزلة بدليل على الجواز العقلى الصرف لهذين النوعين فتقول : إن ما يتعلق بالنصوص القرآنية من التعبد بلفظها ، وجواز الصلاة بها ، وحرمتها على الجنب فى قراءتها ومسها ، شبيه كل الشبه بما يتعلق بها من دلالتها على الوجوب والحرمة ونحوهما ، فى أن كلا من هذه المذكورات حكم شرعى يتعلق بالنص الكريم وقد تقتضى المصلحة نسخ الجميع ، وقد تقتضى نسخ بعض هذه المذكورات دون بعض ، وإذن يجوز أن تنسخ الآية تلاوة وحكما ، ويجوز أن تنسخ تلاوة لا حكما ؛ ويجوز أن تنسخ حكما لا تلاوة. وإذا ثبت هذا بطل ما ذهب إليه أولئك الشذاذ من الاستحالة العقلية للنوعين الأخيرين.
شبهات أولئك المانعين ودفعها
وتتميما للفائدة نعرض عليك شبهاتهم ، مفندين لها شبهة شبهة.
الشبهة الأولى ودفعها :
يقولون : إنّ الآية والحكم المستفاد منها متلازمان تلازم المنطوق والمفهوم ، فلا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر.
والجواب أن التلازم بين الآية وحكمها مشروط فيه انتفاء المعارض وهو الناسخ ، أما إذا وجد الناسخ فلا تلازم ، والأمر حينئذ للناسخ ، إن شاء رفع الحكم وأبقى على التلاوة ، وإن شاء عكس وإن شاء رفعهما معا ، على حسب ما تقتضيه الحكمة أو المصلحة. ونظير