الناس من هذه المحاولة بثوب مرقع ، وكلام مشوش ، ينقصه الترابط والانسجام ، وتعوزه الوحدة والاسترسال ، وتمجه الأسماع والأفهام!.
إذن فالقرآن الكريم تنطق طريقة تأليفه ، بأنه لا يمكن أن يكون صادرا إلا ممن له السلطان الكامل على الفلك ودورته ، والعلم المحيط بالزمن وحوادثه ، والبقاء السرمدى حتى يبلغ مراده وينفذ مشيئته. ذلكم الله وحده الذى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، والذى يعلم الغيب فى السموات وفى الأرض ، والذى لا يذوق الموت ولا تأخذه سنة ولا نوم ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه. (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
الوجه الثالث علومه ومعارفه
وبيان ذلك أن القرآن قد اشتمل على علوم ومعارف فى هداية الخلق إلى الحق. بلغت من نبالة القصد ، ونصاعة الحجة وحسن الأثر وعموم النفع ، مبلغا يستحيل على محمد ـ وهو رجل أمى نشأ بين الأميين ـ أن يأتى بها من عند نفسه. بل يستحيل على أهل الأرض جميعا من علماء وأدباء وفلاسفة ومشترعين وأخلاقيين ، أن يأتوا من تلقاء أنفسهم بمثلها.
هذا هو التنزيل الحكيم ، تقرؤه فإذا بحر العلوم والمعارف متلاطم زاخر ، وإذا روح الإصلاح فيه قوى قاهر. ثم إذا هو يجمع الكمال من أطرافه. فبينا تراه يصلح ما أفسده الفلاسفة بفلسفتهم ، إذ تراه يهدم ما تردى فيه الوثنيون بشركهم. وبينا تراه يصحح ما حرفه أهل الأديان فى دياناتهم ، إذ تراه يقدم للإنسانية مزيجا صالحا من عقيدة راشدة ترفع همة العبد ، وعبادة قويمة تطهر نفس الإنسان ، وأخلاق عالية تؤهل المرء لأن يكون خليفة الله فى الأرض ، وأحكام شخصية ومدنية واجتماعية تكفل حماية المجتمع من الفوضى والفساد ، وتضمن له حياة الطمأنينة والنظام والسلام والسعادة .. دينا قيما يساوق الفطرة ، ويوائم الطبيعة ، ويشبع حاجات القلب والعقل ، ويوفق بين مطالب الروح والجسد ، ويؤلف بين مصالح الدين والدنيا ، ويجمع بين عز الآخرة والأولى! كل ذلك فى قصد واعتدال ،