وأما القول بأن الناسخ السنة ، فيدفعه أن هذا الحديث آحادي والآحادي ظنى والظنى لا يقوى على نسخ القطعى وهو الآية .. وأما القول بأن الناسخ هو الاجماع فيدفعه ما بيناه من عدم جواز نسخ الاجماع والنسخ به ، نعم إن نسخ آية الوصية بآيات المواريث فيه شىء من الخفاء والاحتمال ، ولكن السنة النبوية أزالت الخفاء ورفعت الاحتمال ، حين أفادت أنها ناسخة ، إذ قال صلىاللهعليهوسلم بعد نزول آية المواريث «إن الله أعطى كل ذى حق حقه ، فلا وصية لوارث» .. وفى هذا المعنى ينقل عن الشافعى ما خلاصته .. «إن الله تعالى أنزل آية الوصية وأنزل آية المواريث ، فاحتمل أن تكون الوصية باقية مع المواريث واحتمل أن تكون المواريث ناسخة للوصية. وقد طلب العلماء ما يرجح أحد الاحتمالين ، فوجدوه فى سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. «لا وصية لوارث» : وهذا الخبر وإن كان آحاديا لا يقوى على نسخ الآية فإنه لا يضعف عن بيانها وترجيح احتمال النسخ على احتمال عدمه فيها.
هذا ـ ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الشعبى والنخعى ذهبا إلى عدم نسخ آية الوصية (مستندين إلى أن حكمها هو الندب لا الوجوب فلا تعارض بينها وبين آية المواريث ، كما لا تعارض بينها وبين حديث : لا وصية لوارث) لأن معناه ، لا وصية واجبة وهو لا ينافى ندب الوصية وحيث لا تعارض فلا نسخ : ولكن هذا الرأى سقيم فيما نفهم ، لأنه خلاف الظاهر المتبادر من لفظ (كتب) المعروف فى معنى ، الفرضية ، ومن لفظ (حقا على المتقين) المعروف فى معنى الالزام. ومن شواهد السنة الناهية عن الوصية لوارث.
الآية الثالثة
(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فإنها تفيد تخيير من يطيق الصوم بين الصوم