والافطار مع الفدية : وقد نسخ ذلك بقوله سبحانه : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) المفيد لوجوب الصوم دون تخيير على كل صحيح مقيم من المسلمين.
وقيل إن الآية محكمة لم تنسخ ، لأنها على حذف حرف النفى ، والتقدير «وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين». ويدل على هذا الحذف قراءة «يطوقونه» بتشديد الواو وفتحها ، والمعنى يطيقونه بجهد ومشقة. وإذن لا تعارض ولا نسخ. ويرد هذا الرأى (أولا) بأنه مبنى على أن فى الآية حذفا ، ولا ريب أن الحذف خلاف الأصل. أما قراءة «يطوقونه» بالتشديد ، فلا تدل على مشقة تصل بصاحبها إلى جواز الفطر بعد إيجاب الصوم من غير تخيير ، بل تدل على مشقة ما ، ولا شك أن كل صوم فيه مشقة ما خصوصا أول مشروعيته (ثانيا) أن أبا جعفر النحاس روى فى كتابه الناسخ والمنسوخ عن أبى سلمة بن الأكوع أنه قال : لما نزلت هذه الآية : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) كان من شاء منا صام ومن شاء أن يفتدى فعل ، حتى نسختها الآية بعدها.
الآية الرابعة
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فان هذا التشبيه يقتضى موافقة من قبلنا فيما كانوا عليه من تحريم الوطء والأكل بعد النوم ليلة الصوم. وقد نسخ ذلك بقوله سبحانه : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ). كذلك قالوا ، ولكنك تعلم أن التشبيه لا يجب أن يكون من كل وجه ، وإذن فالتشبيه فى الآية الأولى لا يقضى بما ذكروه من وجوب موافقة أهل الكتاب فيما كانوا عليه فى صومهم ، استدلالا بالتشبيه فى قوله (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين ، وحيث انتفى التعارض انتفى النسخ.