استولى على عرش العالم ، وحكم العالم بقدرته ، ودبره بمشيئته وابن دقيق العيد يقول بهذا التأويل إن رآه قريبا ، ويتوقف إن رآه بعيدا.
وقل مثل ذلك فى نحو «ويبقى وجه ربك ـ ولتصنع على عينى ـ يد الله فوق أيديهم ـ والسموات مطويات بيمينه ـ يخافون ربهم من فوقهم ـ وجاء ربك ـ وعنده مفاتح الغيب». فالسلف يفوضون فى معانيها تفويضا مطلقا بعد تنزيه الله عن ظواهرها المستحيلة. والأشاعرة يفسرونها بصفات سمعية زائدة على الصفات التى نعلمها ، ولكنهم يفوضون الأمر فى تعيين هذه الصفات إلى الله. فهم مؤولون من وجه مفوضون من وجه. والمتأخرون يفسرون الوجه بالذات ولفظ (ولتصنع على عينى) بتربية موسى ملحوظا بعناية الله وجميل رعايته ، ولفظ اليد بالقدرة ، ولفظ اليمين بالقوة ، والفوقية بالعلو المعنوى دون الحسى ، والمجيء فى قوله (وَجاءَ رَبُّكَ) بمجيء أمره والعندية فى قوله (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) بالإحاطة والتمكن. أو بمثل ذلك فى الجميع.
إرشاد وتحذير :
لقد أسرف بعض الناس فى هذا العصر ، فخاضوا فى متشابه الصفات بغير حق ، وأتوا فى حديثهم عنها وتعليقهم عليها بما لم يأذن به الله ، ولهم فيها كلمات غامضة تحتمل التشبيه والتنزيه ، وتحتمل الكفر والإيمان ، حتى باتت هذه الكلمات نفسها من المتشابهات ، ومن المؤسف أنهم يواجهون العامة وأشباههم بهذا. ومن المحزن أنهم ينسبون ما يقولون إلى سلفنا الصالح ، ويخيلون إلى الناس أنهم سلفيون من ذلك قولهم : إن الله تعالى يشار إليه بالإشارة الحسية ؛ وله من الجهات الست : جهة الفوق. ويقولون : إنه استوى على عرشه بذاته استواء حقيقيا ؛ بمعنى أنه استقر فوقه استقرارا حقيقيا ، غير أنهم يعودون فيقولون : ليس كاستقرارنا وليس على ما نعرف ، وهكذا يتناولون أمثال هذه الآية. وليس لهم مستند فيما نعلم إلا التشبث بالظواهر. ولقد تجلى لك مذهب السلف والخلف ، فلا نطيل بإعادته.