المعنى الاصطلاحى :
يطلق المحكم فى لسان الشرعيين على ما يقابل المنسوخ تارة ، وعلى ما يقابل المتشابه تارة أخرى. فيراد به على الاصطلاح الأول ، الحكم الشرعى الذى لم يتطرق إليه نسخ.
ويراد به على الثانى ما ورد من نصوص الكتاب أو السنة دالا على معناه بوضوح لا خفاء فيه ، على ما سيأتى تفصيله. وموضوع بحثنا هنا هو هذا الاصطلاح الثانى. أما الأول فقد بيناه فى المبحث السابق ، حيث عرفنا النسخ وبسطنا أدلته وأحكامه وما قيل فيه ، ومنه يعرف مقابله وهو المحكم ، «وبضدها تتميز الأشياء» وعلى هذا الاصطلاح يحمل ما أخرج عبد ابن عمير عن الضحاك قال : المحكمات ما لم ينسخ ، والمتشابهات ما قد نسخ.
آراء العلماء فى معنى المحكم والمتشابه
يختلف العلماء فى تحديد معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة :
١ ـ منها أن المحكم هو الواضح الدلالة الظاهر الذى لا يحتمل النسخ ، أما المتشابه فهو الخفى الذى لا يدرك معناه عقلا ولا نقلا ، وهو ما استأثر الله تعالى بعلمه ، كقيام الساعة والحروف المقطعة فى أوائل السور. وقد عزا الألوسي هذا الرأى إلى السادة الحنفية.
٢ ـ ومنها أن المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل أما المتشابه فهو ما استأثر تعالى بعلمه ، كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة فى أوائل السور. وينسب هذا القول إلى أهل السنة على أنه هو المختار عندهم.
٣ ـ ومنها أن المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا من التأويل أما المتشابه فهو ما احتمل أوجها. ويعزى هذا الرأى إلى ابن عباس ، ويجرى عليه أكثر الأصوليين.
٤ ـ ومنها أن المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان. أما المتشابه فهو الذى لا يستقل بنفسه ، بل يحتاج إلى بيان ، فتارة يبين بكذا ، وتارة يبين بكذا ، لحصول الاختلاف فى تأويله ويحكى هذا القول عن الإمام أحمد رضى الله عنه.