فى المدينة ، هما مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم رضى الله عنهما ، وقد نجح هذان فى مهمتهما أكبر نجاح ، وأحدثا فى المدينة ثورة فكرية أو حركة تبشيرية جزع لها سعد بن معاذ سيد قبيلة الأوس ، حتى قال لابن أخيه أسيد بن حضير ألا تذهب إلى هذين الرجلين اللذين أتيا يسفهان ضعفاءنا فتزجرهما. فلما انتهى إليهما أسيد قال لهما : ما جاء بكما تسفهان ضعفاءنا؟ ثم هددهما وقال ، اعتزلا إن كانت لكما فى أنفسكما حاجة. رضى الله عن مصعب فقد تغاضى عن هذا التهديد وقال لأسيد فى وقار المؤمن وثباته : أو تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره. ثم قرأ مصعب القرآن وأسيد يسمع ، فما قام من مجلسه حتى أسلم ، ثم كر راجعا إلى سعد فقال له. والله ما رأيت بالرجلين بأسا. فغضب سعد وذهب هو نفسه ثائرا مهتاجا ، فاستقبله مصعب بما استقبل به أسيدا وانتهى الأمر بإسلامه أيضا ، ثم كر راجعا فجمع قبيلته وقال لهم : ما تعدوننى فيكم؟ قالوا. سيدنا وابن سيدنا. فقال سعد : كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تسلموا. فأسلموا أجمعين!.
تأثير القرآن فى نفوس أوليائه :
تلك مظاهر لفعل القرآن بنفوس شانئيه ، فهل تدرى ما ذا فعل بهم بعد أن دانوا له وآمنوا به وأصبحوا من تابعيه ومحبيه؟ لعلك لم تنس ما فعل القرآن بعمر وسعد وأسيد الذين نوهنا بهم بين يديك. ألم يعودوا من خيرة جنود الإسلام ودعاته من يوم أسلموا ، بل من ساعة أسلموا؟ وهناك مظاهر أربعة لهذا الضرب أيضا.
(المظهر الأول) تنافسهم فى حفظه وقراءته فى الصلاة وفى غير الصلاة ، حتى لقد طاب لهم أن يهجروا لذيذ منامهم من أجل تهجدهم به فى الأسحار ، ومناجاتهم العزيز الغفار.
وما كان هذا حالا نادرا فيهم ، بل ورد أن المار على بيوت الصحابة بالليل كان يسمع لها دويا كدوى النحل بالقرآن!. وكان التفاضل بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن!. وكانت
(٢٠ ـ مناهل العرفان ـ ٢)