ما يعرض له القرآن من الكونيات إلا إن كان لنا عليه دليل وبرهان لا شك فيه ولا نكران ، وإلا وجب أن نتوقف عن هذه التفاصيل ، ونكل علمها إلى العالم الخبير ، قائلين ما قالت الملائكة حين أظهر الله لهم على لسان آدم ما لم يكونوا يحتسبون : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
كلمة فى الموضوع
والآن يروقنى أن أنقل لك مقتطفات قيمة للعلامة المرحوم الشيخ عبد العزيز جاويش فى هذا الموضوع لكن يتصرف قليل :
١ ـ ليست مهمة القرآن كسائر الكتب السماوية البحث فى الشئون الكونية والمسائل العلمية والفنية ، على النحو المألوف فى الكتب الخاصة الموضوعة فيها.
٢ ـ لما جاء القرآن الكريم كان فى جزيرة العرب من العقائد الفاسدة والعلم الخاطئ بالكونيات أضعاف ما كان منها لدى بنى إسرائيل عند ما أخرجهم موسى صلىاللهعليهوسلم من مصر ، فكان من الحكمة الإلهية أن يتنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم فى سبيل تصحيح تلك العقائد والمعلومات أضعاف ما تنزل على موسى فى سفر التكوين .. والحكمة البالغة فى ذلك أن الدعوة إلى توحيد الخالق وتقرير الحق من العقائد وقبول ما يلي ذلك من الشرائع والأخلاق ، ما كانت لتجد سبيلها إلى قلوب عرفت للأجرام العلوية فى ألوهيتها وتزاوجها وما كان من أثرها فى تكوين هذه الكائنات ونظامها ، ما قررته العقلية القديمة فى بلاد مصر والإغريق ، وما بثته فى جزيرة العرب وما حولها أساطير الأشوريين والبابليين والكلدانيين. إذن كان لزاما أن يسترعى القرآن انتباه الناس إلى وجه الخطأ فى عقائدهم ، وأن يشككهم فى الباطل الذى اتبعوه ، لأنهم وجدوا عليه آباءهم ، وأن يطلقهم بذلك من الحجر الذى أشقاهم وألحقهم بالأنعام من الحيوان.