فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا. قال : هلكت وأهلكت ، يريد أنه عرض نفسه وعرض الناس للهلاك ، ما دام أنه لا يعرف الناسخ من المنسوخ.
لهذه الوجوه الخمسة التى بسطناها ، يقتضينا الواجب أن نعنى بهذا المبحث ، وأن نسير فيه بقدر على حذر ، متوسعين فيما ينبغى التوسع فيه ، مقتصدين فيما وراء ذلك. وحسبنا الله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى.
ما هو النسخ؟
النسخ فى اللغة :
يطلق النسخ فى لغة العرب على معنيين : (أحدهما) : إزالة الشيء وإعدامه. ومنه قول الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ. فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ). ومنه قولهم نسخت الشمس الظل ، ونسخ الشيب ، الشباب ومنه تناسخ القرون والأزمان.
(والآخر) نقل الشيء وتحويله مع بقائه فى نفسه. وفيه يقول السجستانى من أئمة اللغة : «والنسخ أن تحول ما فى الخلية من النحل والعسل إلى أخرى. ومنه تناسخ المواريث بانتقالها من قوم إلى قوم ، وتناسخ الأنفس بانتقالها من بدن إلى غيره ، عند القائلين بذلك. ومنه نسخ الكتاب لما فيه من مشابهة النقل. وإليه الإشارة بقوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). والمراد به نقل الأعمال إلى الصحف ، ومن الصحف إلى غيرها» اه.
وقد اختلف العلماء بعد ذلك فى تعيين المعنى الذى وضع له لفظ النسخ : فقيل إن لفظ النسخ وضع لكل من المعنيين وضعا أوليا. وعلى هذا يكون مشتركا لفظيا ، وهو الظاهر من تبادر كلا المعنيين بنسبة واحدة عند إطلاق لفظ النسخ. وقيل إنه وضع للمعنى الأول