الشبهة الخامسة ودفعها :
يقولون : إن عجز الناس عن الإتيان بمثل القرآن ، ما هو إلا نظير عجزهم عن الإتيان بمثل الكلام النبوى وإذن فلا يتجه القول بقدسية القرآن وأنه كلام الله ، كما لا يتجه القول بقدسية الحديث النبوى وأنه كلام الله!.
وندفع هذه الشبهة (أولا) بأن الحديث النبوى إن عجز عامة الناس عن الإتيان بمثله ، فلن يعجز أحد خاصتهم عن الإتيان ولو بمقدار سطر واحد منه. وإذا عجز أحد هؤلاء الممتازين عن مقدار سطر واحد منه نفسه ، فلن يعجز عن مقدار سطر واحد من مماثله القريب منه. وإن عجز أن يأتى بسطر من هذا المثل وهو وحده ، فلن يعجز عنه إذا انضم إليه ظهير ومعين أيا كان ذلك الظهير والمعين. وإن عجز عن هذا مع الظهير والمعين أيا كان ، فلن يعجز الإنس والجن جميعا أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا كما قال القرآن.
ذلك شأن الحديث النبوى مع معارضيه. أما القرآن الكريم فله شأن آخر ، لأن أحدا لا يستطيع الإتيان بمثل أقصر سورة منه لا هو وحده ولا مع غيره ولو اجتمع من بأطرافها من الثقلين.
وإنما قلنا إن الحديث النبوى لا يعجز بعض الخواص الممتازين أن يأتى بمثله ، لأن التفاوت بين الرسول وبلغاء العرب مما يتفق مثله فى مجارى العادة بين بعض الناس وبعض فى حدود الطاقة البشرية ، كالتفاوت بين البليغ والأبلغ والفصيح والأفصح والحسن والأحسن. وليس هذا التفاوت بالأمر الشاذ الخارق للنواميس العادية جملة ، بحيث تنقطع الصلة بين الرسول وسائر البلغاء جميعا ، لاختصاصه من بينهم بفطرة شاذة لا تمت إلى سائر الفطر بنسب إلا كما ينتسب النقيض إلى المقيض والضد إلى الضد كلا بل إن هذا القول باطل من وجهين :
(أحدهما) أنه يخالف المعقول والمشاهد ، لما هو معروف من أن الطبيعة الإنسانية