منشأ التشابه وأقسامه وأمثلته
نعلم مما سبق أن منشأ التشابه إجمالا ، هو خفاء مراد الشارع من كلامه. أما تفصيلا فنذكر أن منه ما يرجع خفاؤه إلى اللفظ ، ومنه ما يرجع خفاؤه إلى المعنى ، ومنه ما يرجع خفاؤه إلى اللفظ والمعنى معا.
(فالقسم الأول) وهو ما كان التشابه فيه راجعا إلى خفاء فى اللفظ وحده ، منه مفرد ومركب ، والمفرد قد يكون الخفاء فيه ناشئا من جهة غرابته أو من جهة اشتراكه.
والمركب قد يكون الخفاء فيه ناشئا من جهة اختصاره ، أو من جهة بسطه ، أو من جهة ترتيبه.
مثال التشابه فى المفرد بسبب غرابته وندرة استعماله ، لفظ الأبّ بتشديد الباء فى قوله سبحانه. (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) وهو ما ترعاه البهائم. بدليل قوله بعد ذلك : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ). ومثال التشابه فى المفرد بسبب اشتراكه بين معان عدة ، لفظ اليمين فى قوله سبحانه : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) أى فأقبل إبراهيم على أصنام قومه ضاربا لها باليمين من يديه لا بالشمال ، أو ضاربا لها ضربا شديدا بالقوة ؛ لأن اليمين أقوى الجارحتين ، أو ضاربا لها بسبب اليمين التى حلفها ونوه بها القرآن إذ قال (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ). كل ذلك جائز. ولفظ اليمين مشترك بينها.
ومثال التشابه فى المركب بسبب اختصاره ، قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) فإن خفاء المراد فيه ، جاء من ناحية إيجازه والأصل : وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى لو تزوجتموهن ، فانكحوا من غير هن ما طاب لكم من النساء. ومعناه أنكم إذا تحرجتم من زواج اليتامى مخافة أن تظلموهن ؛ فأمامكم غيرهن فتزوجوا