وتعجبنى لهذه المناسبة كلمة للزركشى فى كتابه البحر المحيط أسوقها إليك فى الختام إذ قال :
«(مسألة) لا يجوز ترجمة القرآن بالفارسية وغيرها ، بل يجب قراءته على هيئته التى يتعلق بها الإعجاز ؛ لتقصير الترجمة عنه ، ولتقصير غيره من الألسن عن البيان الذى خص به دون سائر الألسن. قال الله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ). هذا لو لم يكن متحدى بنظمه وأسلوبه ، وإذا لم تجز قراءته بالتفسير العربى المتحدى بنظمه ، فأحرى ألا تجوز بالترجمة بلسان غيره. ومن هنا قبل القفال فى فتاويه : عندى أنه لا يقدر أحد أن يأتى بالقرآن بالفارسية. قيل له : فإذن لا يقدر أحد أن يفسر القرآن ، قال : ليس كذلك ، لأن هناك يجوز أن يأتى ببعض مراد الله ويعجز عن البعض. أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية ، فلا يمكن أن يأتى بجميع مراد الله.
«وفرق غيره بين الترجمة والتفسير فقال : يجوز تفسير الألسن بعضها ببعض ، لأن التفسير عبارة عما قام فى النفس من المعنى ، للحاجة والضرورة ، والترجمة هى إبدال اللفظة بلفظة تقوم مقامها فى مفهوم المعنى للسامع المعتبر لتلك الألفاظ فكأن الترجمة إحالة فهم السامع على الاعتبار ، والتفسير تعريف السامع بما فهم المترجم. وهذا فرق حسن» اه أحسن الله لنا الخاتمة ، وجمعنا جميعا على الحق والرشد ، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ ، وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).
المبحث الرابع عشر فى النسخ
أهمية هذا المبحث :
لهذا المبحث أهمية خاصة ، وذلك من وجوه خمسة : (أولها) أنه طويل الذيل ، كثير التفاريع ، متشعب المسالك.