الشبهة الثانية ودفعها :
قال الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمهالله فى حاشيته على العقائد العضدية : «فإن قلت : إن كلام الله وكلام النبى صلىاللهعليهوسلم مؤلف من الألفاظ العربية ، ومدلولاتها معلومة لدى أهل اللغة ، فيجب الأخذ بمدلول اللفظ كائنا ما كان.
قلت : حينئذ لا يكون ناجيا إلا طائفة المجسمة الظاهريون القائلون بوجوب الأخذ بجميع النصوص وترك طريق الاستدلال رأسا مع أنه لا يخفى ما فى آراء هذه الطائفة من الضلال والإضلال ، مع سلوكهم طريقا ليس يفيد اليقين بوجه ، فإن للتخاطبات مناسبات تردد بمطابقتها فلا سبيل إلا الاستدلال العقلى وتأويل ما يفيد بظاهره نقصا إلى ما يفيد الكمال. وإذا صح التأويل للبرهان فى شىء صح فى بقية الأشياء ، حيث لا فرق بين برهان وبرهان ، ولا لفظ ولفظ.
وقال فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) إن الوحى من الله للنبى صلىاللهعليهوسلم تنزيلا وإنزالا ونزولا ، لبيان علو مرتبة الربوبية لا أن هناك نزولا حسيا من مكان مرتفع إلى مكان منخفض ومن الغريب أنهم يقولون فى الرد على هذا : إن علو الله على خلقه ، حقيقة أثبتها لنفسه فى كتابه ، لا حاجة لتأويله بعلو مرتبة الربوبية! وليت شعرى إذا لم تؤوله بعلو مرتبة الربوبية ، فما ذا نريد منه؟ وهل بقى بعد ذلك شىء غير العلو الحسى الذى يستلزم الجهة والتحيز؟ ولا يمكن نفى ذلك اللازم عنه متى أردنا العلو الحسى ، فإن نفى التحيز عن العلو الحسى غير معقول ، ولا معنى للاستلزام إلا هذا. أما هم فينفون اللوازم. ولا أدرى كيف ننفى اللوازم مع فرضها لوازم؟ هذا خلف. ولكن القوم ليسوا أهل منطق. والمتتبع لكلامهم يجد فيه العبارات الصريحة فى إثبات الجهة لله تعالى. وقد كفر العراقى وغيره مثبت الجهة الله تعالى ، وهو واضح ، لأن معتقد الجهة لا يمكنه