وابن المنذر وغيرهم ، عن عائشة رضى الله عنها قالت : «لم يمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أحل الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم» الخ.
والسر فى أن الله حرم على الرسول أولا ما عدا أزواجه ، ثم أحل له ما حرمه عليهن ، هو أن التحريم الأول فيه تطييب لقلوب نسائه ، ومكافأة لهن ، على اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، بعد أن نزلت آيات التخيير فى القرآن. ثم إن إحلال هذا الذى حرم على رسوله مع عدم زواج الرسول من غير هن بعد هذا الاحلال ، كما ثبت ذلك ، فيه بيان لفضله صلىاللهعليهوسلم ومكرمته عليهن ، حيث قصر نفسه ولم يتزوج بغيرهن ، مع إباحة الله له ذلك.
وقد جاءت روايات أخرى فى هذا الموضوع تخالف ما ذكرناه ، لكن لم يثبت لدينا صحة شىء منها ولهذا رجحنا ما بسطناه. ولا يعكر صفو القول بالنسخ هنا ، ما نلاحظه من تأخر الآية المنسوخة عن الناسخة فى المصحف. لأن المدار على ترتيب النزول لا على ترتيب المصحف كما تعلم.
الآية العشرون
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) فإنها نسخت بقوله سبحانه عقب تلك الآية : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ. فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ). وقيل لا نسخ ، بحجة أن الآية الثانية بيان للصدقة المأمور بها فى الأولى ، وأنه يصح أن تكون صدقة غير مالية ، من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله. وأنت خبير بأن هذا ضرب من التكلف فى التأويل ، يأباه ما هو معروف من معنى الصدقة حتى أصبح لفظها حقيقة عرفية فى البذل المالى وحده. وقيل : إن وجوب تقديم الصدقة إنما زال بزوال سببه ، وهو تمييز المنافق من غيره. وهذا مردود بأن كل حكم منسوخ فإنما نسخه الله لحكمة ، من نحو مصلحة أو سبب كان يرتبط به الحكم الأول ، ثم زالت تلك المصلحة أو ذلك السبب.