الآية الخامسة
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ. قُلْ : قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) فإنها تفيد حرمة القتال فى الشهر الحرام. وقد روى ابن جرير عن عطاء بن ميسرة أنها منسوخة بقوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً). ونقل أبو جعفر النحاس إجماع العلماء ما عدا عطاء على القول بهذا النسخ. ووجه ذلك أن آية (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) أفادت الإذن بقتال المشركين عموما. والعموم فى الأشخاص يستلزم العموم فى الأزمان. وأيدوا ذلك بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاتل هوازن بحنين وثقيفا بالطائف فى شوال وذى القعدة سنة ثمان من الهجرة. ولا ريب أن ذا القعدة شهر حرام ، وقيل إن النسخ لم يقع بهذه الآية ، إنما وقع بقوله سبحانه : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). فإن عموم الأمكنة يستلزم عموم الأزمنة.
ذلك رأى الجمهور. وهو محجوج فيما نفهم بما ذهب إليه عطاء وغيره ، من أن عموم الأشخاص فى الآية الأولى ، وعموم الأمكنة فى الآية الثانية ، لا يستلزم واحد منهما عموم الأزمنة. وإذن فلا تعارض ولا نسخ. بل الآية الأولى نبهت على العموم فى الأشخاص ، والثانية نبهت على العموم فى الأمكنة. وكلاهما غير مناف لحرمة القتال فى الشهر الحرام ، لأن عموم الأشخاص وعموم الأمكنة يتحققان فى بعض الأزمان الصادق بما عدا الأشهر الحرم. ويؤيد ذلك أن حرمة القتال فى الشهر الحرام لا تزال باقية ، اللهم إلا إذا كان جزاء لما هو أشد منه ، فإنه يجوز حينئذ لهذا العارض ، كما دل عليه قول الله فى الآية نفسها : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ. وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).