حكمة الله فى النسخ
الآن وقد عرفنا النسخ ، وفرقنا بينه وبين ما يلتبس به ، وأيدناه بالأدلة ، يجد ربنا أن نبين حكمة الله تعالى فيه ، لأن معرفة الحكمة تريح النفس ، وتزيل اللبس ، وتعصم من الوسوسة والدس. خصوصا فى مثل موضوعنا الذى كثر منكروه ، وتصيدوا لإنكاره الشبهات من هنا وهناك.
ولأجل تفصيل القول فى الحكمة نذكر أن النسخ وقع بالشريعة الإسلامية ووقع فيها. على معنى أن الله نسخ بالإسلام كل دين سبقه ، ونسخ بعض أحكام هذا الدين ببعض.
أما حكمته سبحانه فى أنه نسخ به الأديان كلها ، فترجع إلى أن تشريعه أكمل تشريع يفى بحاجات الإنسانية فى مرحلتها التى انتهت إليها ، بعد أن بلغت أشدها واستوت. وبيان ذلك أن النوع الإنسانى تقلب كما يتقلب الطفل فى أدوار مختلفة. ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه ، غير الحال التى تناسب دورا غيره. فالبشر أول عهدهم بالوجود ، كانوا كالوليد أول عهده بالوجود ، سذاجة وبساطة ، وضعفا وجهالة ، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدا رويدا ، ومروا فى هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متبايسة ، من ضالة العقل ، وعماية الجهل ، وطيش الشباب ، وغشم القوة. على تفاوت فى ذلك بينهم ، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم ، تبعا لهذا التفاوت. حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه ، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه ، جاء هذا الدين الحنيف ختاما للأديان ، ومتمما للشرائع ، وجامعا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد ، جمعا وفق بين مطالب الروح والجسد ، وآخى بين العلم والدين ، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد وأسر وجماعات وأمم