وندفع هذه الشبهة بأن الخيرية والمثلية فى الآية الكريمة ليس المراد منهما ما فهموا من الخفة عن الحكم الأول أو المساواة به. بل المراد بهما الخيرية والمثلية فى النفع والثواب ، على ما مر تفصيله. وعلى هذا فما المانع من أن يكون الأثقل الناسخ أكثر فائدة فى الدنيا ، وأعظم أجرا فى الآخرة من الأخف المنسوخ؟ أو يكون مساويا له فى الثواب ومماثلا له فى الأجر؟.
نسخ الطلب قبل التمكن من امتثاله
علماؤنا اتفقوا على أن نسخ الطلب قبل التمكن من العلم به ممتنع ، كما اتفقوا على أن نسخه بعد تمكن المكلف من امتثاله جائز ، لم يخالف فى ذلك إلا الكرخى فيما روى عنه من امتناع النسخ قبل تحقق الامتثال بالفعل .. أما نسخ الطلب بعد التمكن من العلم وقبل التمكن من الامتثال ، ففيه اختلاف العلماء : ذهب جمهور أهل السنة ومن وافقهم إلى جوازه ، وذهب جمهور المعتزلة ومن وافقهم إلى منعه. مثال ذلك قوله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) فإن جمهورنا يجوزون نسخ وجوب الوصية المذكور فى هذه الآية بعد التمكن من العلم به وقبل أن يحضر الموت أحدا من المكلفين. أما جمهور المعتزلة فيقولون باستحالة نسخ هذا التشريع إلا بعد احتضار أحد المكلفين وتمكنه من الوصية. ولا يكتفى الكرخى فيما روى عنه بمجرد تمكن المكلف من الوصية ، بل لا بد عنده من أن يوصى بالفعل ، حتى يجوز النسخ بعده.
أدلة المثبتين لهذا النوع من النسخ :
إن الذين أجازوا هذا النوع من النسخ ، استدلوا له بثلاثة أدلة :