ولا ريب أن هذا الحكم الثانى رافع للحكم الأول ، فتعين النسخ. وقد قيل فى تفسير هذه الآيات كلام كثير ، لا نرى حاجة إلى ذكره والله يكفينا كثرة القيل والقال ، ويتوب علينا من النزاع والخلاف ، ويجمع صفوفنا على دينه وحبه ، آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المبحث الخامس عشر
فى محكم القرآن ومتشابهه
المعنى اللغوى :
لهذين اللفظين إطلاقات فى اللغة وإطلاقات فى الاصطلاح. فاللغويون يستعملون مادة الإحكام (بكسر الهمز) فى معان متعددة ، لكنها مع تعددها ترجع إلى شىء واحد ، هو المنع. فيقولون : أحكم الأمر أى أتقنه ومنعه عن الفساد. ويقولون : أحكمه عن الأمر أى رجعه عنه ومنعه منه. ويقولون : حكم نفسه وحكم الناس أى منع نفسه ومنع الناس عما لا ينبغى ويقولون : أحكم الفرس أى جعل له حكمة (بفتحات ثلاث) ، والحكمة ما أحاط بحنكى الفرس من لجامه تمنعه من الاضطراب. وقيل : «آتاه الله الحكمة» أى العدل أو العلم أو الحلم أو النبوة أو القرآن ؛ لما فى هذه المذكورات من الحوافظ الأدبية الرادعة عما لا يليق.
وكذلك يستعمل اللغويون مادة التشابه فيما يدل على المشاركة فى المماثلة والمشاكلة ، المؤدية إلى الالتباس غالبا. يقال : تشابها واشتبها أى أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا. ويقال : أمور مشتبهة ومشبهة ـ على وزان معظمة ـ أى مشكلة. والشبهة بالضم : الالتباس والمثل. ويقال شبه عليه الأمر تشبيها أى لبّس عليه (بضم الأول وتشديد الثانى مع كسره فى الفعلين). ومنه قول الله سبحانه وصفا لرزق الجنة (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً). ومنه قوله حكاية عن بنى إسرائيل : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) انظر القاموس فى هاتين المادتين.