البينة فى هذا الموضوع قوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ، بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) :
ومن قصرت عقولهم استبعدوا وجود الحيوان فى الأجرام السماوية. ولكن نفى الزمخشرى والبيضاوى وغيرهما استبعاد أن يخلق الله فيها صنوفا من الحيوان يمشون فيها مشى الإنسان على الأرض ؛ فالله خلق كما قالوا : ما نعلم وما لا نعلم اه ما أردنا نقله.
الوجه السادس
سياسته فى الإصلاح
ومعنى هذا أن القرآن انتهج طريقا عجبا فى إصلاحه ، وسلك سياسة حكيمة وصل بها من مكان قريب إلى ما أراد من هداية الخلق ، فتذرع بجميع الوسائل المؤدية إلى نجاح هذا الإصلاح الوافى بكل ما يحتاج إليه البشر. مما يدل بوضوح على أن القرآن فى سياسته هذه لا يمكن أن يصدر عن نفس محمد ولا غير محمد.
وبيان ذلك من وجوه :
(أولها) مجىء هذا الكتاب منجما ، ومخالفته بذلك سائر كتب الله الإلهية ، بعدا بالناس عن الطفرة ، وتيسيرا لتلقيهم إياه وقبولهم ما جاء به ، على نحو ما بينا فى أسرار التنجيم بالمبحث الثالث من هذا الكتاب.
(ثانيها) مجىء هذا الكتاب بذلك الاسلوب الشيق الرائع الحبيب إلى نفوسهم ، ليكون لهم من هذا الأسلوب دافع إلى الإقبال عليه والاستئناس بما جاء من تعاليمه وإن كانت مخالفة لما مردوا عليه من قبل.
(ثالثها) مجىء هذا الكتاب على غير المعهود فى تأليف القوانين والعلوم والفنون والآداب ، من بناء تقسيمها وتبويها على الموضوعات بحيث يختص كل باب من الكتاب
(١٧ ـ مناهل العرفان ـ ٢)