على سامعيه فى كل جيل وقبيل ، فإذا هو واضح فيما سيق له من دلالة الإنسان وهدايته إلى الله ، ثم إذا هو مجمل التفاصيل ، يختلف الخلق فى معرفة تفاريعه ودقائقه ، باختلاف ما لديهم من مواهب ووسائل وعلوم وفنون.
ولنضرب لذلك مثلا : تلك الآية الحكيمة وهى قوله عز اسمه : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). فإنها مرت على بنى الإنسان منذ نزلت إلى الآن ، ففهموا منها جميعا أن الله تعالى يدل على قدرته وإبداعه وكماله بأنه خلق من الأشياء متنوعات مختلفة الأشكال والخصائص. لكنهم اختلفوا بعد ذلك. فالأوائل يؤثر عنهم أن الزوجين فى الآية الكريمة ، هما الأمران المتقابلان تقابلا ما. لا بخصوص الذكورة والأنوثة ؛ روى عن الحسن أنه فسر الزوجين بالليل والنهار والسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والبر والبحر ، والحياة والموت ، وهكذا عدد أشياء وقال كل اثنين منها زوج ، والله تعالى فرد لا مثيل له .. أما المتأخرون ففهموا أن الزوجين فى الآية ، هما الأمران المتقابلان بالذكورة والأنوثة ، ويقولون : إنه ما من شىء فى الوجود إلا منه الذكر والأنثى ، سواء فى ذلك الإنسان والحيوان والجماد وغيرها مما لا نعلم ويستدلون على ذلك بقوله سبحانه : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ). ويقولون : إن أحدث نظرية فى أصول الأكوان تقرر أن أصول جميع الكائنات تتكون من زوجين اثنين ، وبلسان العلم الحديث (الكترون وپروتون).
ولا أحب أن نتوسع فى هذا ، فبين أيدينا أمثلة كثيرة ومؤلفات جمة ، تموج وتضطرب باستنباط علوم الكون من القرآن ، أو بتفسير القرآن وشرحه بعلوم الكون. وأحدثها فيما أعلم كتاب تحت الطبع الآن ألفه شاب فاضل مثقف وسماه (بين القرآن والعلم) وضمنه شتيتا من الأبحاث المختلفة فى الاجتماع وعلم النفس وعلم الوراثة والزراعة والتغذية وفيما وراء الطبيعة ، مما لا يتسع المقام لذكره ، ومما لا نرى حاجة إليه ، خصوصا بعد أن تبين لنا أن العلوم الكونية خاضعة لطبيعة الجزر والمد ، أن أبحاثا كثيرة منها لا تزال قلقة حائرة بين