والدليل على هذا الفارق ، هو حكم العرف العام الذى نتحدث الآن بلسانه وإليك مثلا من أمثاله :
رجل عثر فى مخلفات أبيه على صحيفتين مخطوطتين بلغة أجنبية وهو غير عالم بهذا اللسان الأجنبى ، فدفعهما إلى خبير باللغات يستفسره عنهما. وإذا الخبير يجيبه قائلا :
إن الصحيفة الأولى خطاب تافه من معوز أجنبى يستجدى أباك فيه ويستعينه ، أما الثانية فوثيقة بدين كبير لأبيك على أجنبى. هناك مزق الرجل خطاب الاستجداء ولم يحفل به ، أما الوثيقة فاعتد بها وطلب من هذا المتمكن فى اللغات أن يترجمها له ، ليقاضى المدين أمام محكمة لغتها لغة الترجمة.
أليس معنى هذا أن التفسير لم يكفه؟ بدليل أنه طلب الترجمة من المترجم ، علما بأنها هى التى تفى بكل ما تضمنته تلك الوثيقة وبكل ما يقصد منها ، فلا تضعف له بها حجة ، ولا يضيع عليه حق؟.
ثم ألست ترى فى هذا المثال أيضا أن العرف يحكم بأن التفسير لا يشترط أن يعرض لجميع التفاصيل ، بل يكفى فيه بيان المضمون ، على حين أنه يرى الترجمة صورة مطابقة لأصلها ، وافية بكافة معانيه ومقاصده؟.
(الفارق الرابع) أن الترجمة تتضمن عرفا دعوى الاطمئنان إلى أن جميع المعانى والمقاصد التى نقلها المترجم ، هى مدلول كلام الأصل وأنها مرادة لصاحب الأصل منه.
ولا كذلك التفسير بل المفسر تارة يدعى الاطمئنان ، وذلك إذا توافرت لديه أدلته.
وتارة لا يدعيه ، وذلك عند ما تعوزه تلك الأدلة. ثم هو طورا يصرح بالاحتمال ويذكر وجوها محتملة مرجحا بعضها على بعض ، وطورا يسكت عن التصريح أو عن الترجيح وقد يبلغ به الأمر أن يعلن عجزه عن فهم كلمة أو جملة ويقول : رب الكلام أعلم بمراده. على نحو ما نحفظه لكثير من المفسرين إذا عرضوا لمتشابهات القرآن ولفواتح السور المعروفة.