والاثنان ، عند ذلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) أي نزّهه عمّا لا يليق به من الصفات القبيحة التي لا يجوز أن يوصف بها ، واطلب رحمته ومغفرته حين يوليك هذه النّعمة العظيمة مع ماله من نعم جسيمة عليك ، واحمده واشكره على ذلك (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) أي : إنه كان منذ كان ، يقبل التوبة ولو أذنب الإنسان وتاب ، ثم عاد للذنب وعاد للتوبة ، فإنه تعالى كثير القبول لتوبة التائبين متجاوز عن المذنبين. وعن مقاتل أنه لمّا نزلت هذه السورة قرأها النبيّ صلىاللهعليهوآله على أصحابه ففرحوا واستبشروا ، وسمعها العباس فبكى ، فقال (ص) : ما يبكيك يا عمّ؟ فقال : أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله ، فقال : إنه لكما تقول. فعاش (ص) بعدها سنتين ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا. وقيل إنهم استنتجوا نعي نفسه (ص) إليه من الأمر بتجديد التوحيد واستدراك الفائت بالاستغفار ، وعن أمّ سلمة قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله بالآخرة لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلّا قال : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه. فسألناه عن ذلك فقال : إنّي أمرت بها ، ثم قرأ : إذا جاء نصر الله والفتح.
أما قصة فتح مكة فقد مرّ أنه كان من شروط عهد الحديبية الذي مرّ ذكره وفيه أن من أحبّ أن يدخل في عهد رسول الله (ص) دخل فيه ، فدخلت خزاعة فيه ، وبمقابلها دخلت بنو بكر في عقد قريش لأنه كان بين القبيلتين شرّ قديم. وبعدها وقع قتال بين خزاعة وبني بكر فساعدت قريش بني بكر بالسلاح وبالرجال ، فقصد عمرو بن سالم الخزاعي رسول الله (ص) ليخبره بما حصل. ولما وصل التي المدينة وقف بين يديه وهو في المسجد وقال :
لا همّ إنّي ناشد محمدا |
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا |
إنّ قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا |
وقتلونا ركّعا وسجّدا